الحياة بالقرآن 3: كيف تكون شخص اجتماعي, الخشوع في الصلاة, التقوى, والتشجيع على الإنفاق

بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على سيدنا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام, لازلنا مع تدبر آيات سورة الفاتحة أعظم سور القرآن الكريم, ونستكمل رحلتنا مع..

إِيَّاكَ نَعۡبُدُ وَإِيَّاكَ نَسۡتَعِينُ (5)

في هذه الآية ثلاثة تدبرات مهمة للغاية, أولهما هو ذكر الاستعانة بالله بعد العبادة, لأن عبادة الله لا تحدث إلا بمعونة الله وهدايته, ولأنك تحتاج في كل عباداتك الى الاستعانة بالله عز وجل.

يعني هو المعبود, وهو الذي هداك وأعانك على عبادته أيضا, فهمك لهذا هو اقرار واعتراف منك أنك لا تقدر على شيء إلا بمعونة الله وتوفيقه, لذلك تم ذكر معونة الله بعد العبادة فورا, لأن بدون معونة الله لن تستطيع عبادته.

فهمك أن الله هو المعين, ولا يوجد معين ولا ولي غيره, يجعلك تشعر بالامتنان الشديد لله, ويمنحك شعور جميل بالاستسلام لله والثقة أن كل ما يجريه الله هو الخير لك.

التدبر الثاني في هذه الآية الكريمة, هو إفراد واختصاص وحصر العبادة والمعونة لله سبحانه فقط, تكرار كلمة إياك, يعني لا نعبد إلا انت, ولا يقدر على معونتنا إلا انت, لأنك الخالق والرازق الذي أوجدتنا من عدم.

وفي هذا راحة كبيرة للعبد, لانك غير مطالب بعبادة وطاعة إلا إله واحد فقط, وفي هذا اشارة إلى ضرورة تفريغ قلبك من عبادة أي شيء إلا الله, مثل عبادة الشهوات والمال, او عبادة الدنيا والهوى وأصحاب السلطة.

إفرد وخصص عبادتك لله وحده وسوف ترى النعيم كله في الدنيا, لأنه تريح قلبك وعقلك وتكرم نفسك إذا فرغت قلبك من أي معبود إلا الله.

كيف تساعدك سورة البقرة أن تكون شخص اجتماعي؟

التدبر الثالث والأخير في هذه الآية, إِيَّاكَ نَعۡبُدُ وَإِيَّاكَ نَسۡتَعِينُ (5)  ٱهۡدِنَا ٱلصِّرَٰطَ ٱلۡمُسۡتَقِيمَ(6) 

هو نون الجماعة, وفي هذا اشارة أن الصلاة والعبادة وطلب الاستعانة والهداية من الله, الأصل فيهم هو فعلهم في جماعة, والتعاون مع الآخرين على البر والتقوى وفعل الخيرات, وفي هذا دليل على قيمة الصحبة الصالحة التي تشجعك على العبادة والنجاح.

وفي هذا فائدة كبيرة, يعني لا ينبغي عليك أن تكون وحيدا أبدا في طريق الهداية والسعي والنجاح في الحياة, وإنما اختلط بأصحاب القلوب العامرة بالإيمان “صِرَٰطَ ٱلَّذِينَ أَنۡعَمۡتَ عَلَيۡهِمۡ”, الذين لهم نفس طريقة التفكير الإيجابية الناجحة, اذهب للأماكن التي فيها فائدة وعلم ونجاح واختلط بالناس.

تعلم من الناجحين وتواصل معهم, ليس في أمور الدين فقط ولكن في كل أمور الحياة, لأن كما تعلمنا من سورة الفاتحة أن الأصل في العبادة والمعونة هو الجماعة والاختلاط بالناس وليس الانعزال.

ٱهۡدِنَا ٱلصِّرَٰطَ ٱلۡمُسۡتَقِيمَ (6)  صِرَٰطَ ٱلَّذِينَ أَنۡعَمۡتَ عَلَيۡهِمۡ غَيۡرِ ٱلۡمَغۡضُوبِ عَلَيۡهِمۡ وَلَا ٱلضَّآلِّينَ (7)

اطلب الهداية من الله, وإذا أحببت شخص, فأفضل دعاء تدعوه له هو الهداية, لأن هدى الله يؤدي للتقوى, ومن يتق الله يجعل له مخرجا من أي ضيق ويرزقه من حيث لا يحتسب.

كيف تعرف أنك من الذين أنعم الله عليهم بالهدى والتقوى؟

عندما تستطيع ترويض أهوائك ومصالحك الشخصية, وتطيع الله حتى لو كانت طاعته ضد رغباتك ونزوات نفسك, ولا تتبع هواك ٱلۡمَغۡضُوبِ عَلَيۡهِمۡ”, أو تبتدع عن جهل سبيل يناسب أهوائك وتظن أنه الحق ولا حق غيره “وَلَا ٱلضَّآلِّينَ “.

كن صادقا مع نفسك لأقصى درجات الصدق, راجع نفسك دائما, هل انت فعلا تسير على الصراط المستقيم في كل شئون حياتك او على في الأقل معظمها؟ أم تخدع نفسك وتعلم أنك مخطئ لكنك تستمر في الانسياق وراء أهوائك؟

هل تتقي الله فعلا في السر والعلن؟ وتمسك لسانك عن الخوض في أعراض الناس؟ أم فقط تتظاهر أمام الناس بالتقوى والإيمان؟ كن حكما صادقا على نفسك.

الحمد لله رب العالمين, انتهينا من تدبر سورة الفاتحة, وما عليك الآن إلا العمل بها, تذكر كل هذه الفوائد عندما تقرأ سورة الفاتحة في صلواتك يوميا, والآن ننتقل إلى أقرب سور القرآن الى قلبي ألا وهي سورة البقرة.

ذَٰلِكَ ٱلۡكِتَٰبُ لَا رَيۡبَۛ فِيهِۛ هُدٗى لِّلۡمُتَّقِينَ (2)

تأتي هذه الآية بعد سورة الفاتحة مباشرة, لا يفصلها عن سورة الفاتحة سوى “الٓمٓ”, في سورة الفاتحة طلبنا من الله الهداية الى الصراط المستقيم, ثم مباشرى في أول سورة البقرة, يخبرنا الله أن هذا الكتاب “القرآن الكريم” “لَا رَيۡبَۛ فِيهِۛ هُدٗى لِّلۡمُتَّقِينَ”.

ما هو السبيل للفوز بهداية الله والنجاح في الحياة؟

نفهم من هذا أن تقوى الله هي الطريق الوحيد للهدى في الحياة الدنيا والآخرة, وأن القرآن هدى للمؤمنين في كل شئون حياتهم وأخراهم, فلم يخصص هدى في الدنيا فقط أو للأخرة فقط, وإنما هدى عام يشمل كل شيء.

إذن هل تريد النجاح والفلاح في حياتك, سواء نجاح مادي او اجتماعي او في أي شيء أخر, عليك بتقوى الله لكي تستحق هداية الله.

إن لم تتقي الله هل يمكن أن تنجح في حياتك؟ بالطبع ممكن لأن الدنيا كتبها الله ويسرها لمن يجتهد ويأخذ بالأسباب الصحيحة سواء كان مؤمن أم كافر, متقي أم مذنب, لكن لاحظ شيء مهم للغاية, وهو إن لم تتقي الله سيسلمك الله إلى نفسك ويتركك وحيدا في الدنيا, وحتى إذا نجحت في حياتك مثلما تريد, فسوف تشعر دائما أنك غير مكتفي وغير راضي, وسوف تتعرض لعديد من المشقات وتفعل العديد من التنازلات في سبيل نجاحك, وسوف يصبح نجاحك بلا معنى.

ماذا تستفيد من التقوى وكيف تكون من المتقين؟

وعلى الجانب الأخر, إذا اتقيت الله وجعلت لك وقاية من عذاب الله, وجعلت الله يحميك ويحفظك من شرور نفسك وشرور الدنيا, فسوف يصبح لسعيك واجتهادك معنى, وعندما تصل لقمة النجاح ستكون حقا من سعداء الدنيا والآخرة, لأنك اتخذت السبيل الصحيح وأخلصت سعيك وعملك لله.

التقوى تحتاج إلى الصدق مع النفس, وتحتاج الى توبة صادقة, وإلى بداية جديدة مع الله ومع الحياة.

ابدأ الآن بالاستغفار عن ذنبك, كرر استغفر الله العظيم بخشوع وندم, وكلما تستغفر الله, اعزم على تطهير نفسك من ذنوبك وأخطائك بخطوات عملية, ليس فقط بلسانك او بقلبك, وإنما بالفعل والعمل.

انظر الى حياتك وحلل ما فعلت فيها حتى الآن, هل انسياقك وراء شهواتك وضعف نفسك نتج عنه أي شيء إيجابي؟ أما آن الأوان لتتوب عن اتباع هواك وشهواتك, وتتركها لله.

وفي بقية الآيات في أول سورة البقرة, يذكر لنا الله صفات متعددة لهؤلاء المتقين, سبحان الله, ولله المثل الأعلى, مثل الأب او المعلم الأمين الذي يحبك بشدة ويريد مصلحتك, فيسهب في التفصيل والشرح ويذكر لك مميزات الناجحين والفالحين لفرط حرصه أن تكون منهم.

ما هي صفات المتقين التي جاءت في سورة البقرة؟

ٱلَّذِينَ يُؤۡمِنُونَ بِٱلۡغَيۡبِ وَيُقِيمُونَ ٱلصَّلَوٰةَ وَمِمَّا رَزَقۡنَٰهُمۡ يُنفِقُونَ (3)

ٱلَّذِينَ يُؤۡمِنُونَ بِٱلۡغَيۡبِ” تقوى الله مقترنة باستشعار مراقبة الله لك دائما, لأن الله موجود ويراك, فاستحي أن تأتي بذنب أو تتطيع هواك الذي يخالف أمر الله وهو يراك, حتى وإن كنت لا ترى الله, فأنت متيقن ومستشعر بقلبك وجوده معك.

كيف تخشع في صلاتك؟

وَيُقِيمُونَ ٱلصَّلَوٰةَ” دقة لفظ “الإقامة” ليس فط الأداء او مجرد حركات الصلاة, ولكن إقامة الصلاة في كل جوارحك, تستشعر وقوفك أمام الله بقلبك وتخشع بقلبك وعقلك وجسدك أيضا, وتفهم رمزية حركات الصلاة.

فعندما تركع وتسجد, تحني جسدك لخالقك, ولا تحني جسدك لأي مخلوق, وفي هذا اشارة ألا تعلق قلبك بأي شيء أو بأي شخص إلا بالله, وعندما تسجد تضع رأسك في التراب أمام الله, وفي هذا إشارة لقمة التذلل والخضوع لله والاعتراف بقدرته عليك وعظمته, وتعني أيضا استسلامك التام لقضاءه وقدره ورضاك بحكمه, لذلك أقرب ما يكون العبد لربه وهو ساجد, لأنك في السجود تكون في حالة تخلي تام عن هوى نفسك.

خشوع القلب ياتي عندما تفرغ نفسك من التفكير في أي مشاكل حياتك أثناء الصلاة, لأن أي شيء تريده او تخاف منه فهو بيد الله الذي تقف أمامه الآن, فاسأل الله ما شئت واستعيذ به مما تشاء.

فكل يوم أثناء أدائك للصلوات, حاسب نفسك هل أديتها بخشوع وإيمان أم تهاونت فيها وركزت على أداء حركاتها الظاهرية فقط؟ وإذا قصرت في الأداء فاعزم على تحسين جودة صلاتك وتطهير قلبك.

كيف تساعدك سورة البقرة أن تكون غنيا وتمتلك الكثير من الأموال والخير؟

وَمِمَّا رَزَقۡنَٰهُمۡ يُنفِقُونَ” تقوى الله في المال, لأن المال والسعي وراء المال هو أعظم شهوات البشر, فإذا اتقيت الله في مالك, وحرصت على كسبه بالحلال, وتطهيره وتزكيته بالإنفاق فيما فيه منفعة لك ولغيرك, فقد نجحت في أعظم اختبار لمجاهدة نفسك وهو البذل من مالك الخاص لتنفع به غيرك, بدون انتظار مصلحة او فائدة مباشرة ممن تنفق عليه وإنما تنتظر الفضل والبركة والثواب من الله وحده.

أيضا كلمة “مِمَّا” تشير إلى أن الانفاق لا يكون لكل المال, لكن لجزء يسير من مالك, ويمكنك انفاق بقية المال على نفسك ومتعتك الشخصية وهذا حقك, لكن خصص جزء قليل من مالك من أجل الإنفاق والبذل ومشاركة الخير فالله لا يطلب منك أكثر من ذلك إلا ما جادت به نفسك.

كلمة “رَزَقۡنَٰهُمۡ” تشير إلى أن هذا المال والنعمة من فضل ورزق الله, فينبغي عليك أداء شكر النعمة بطريقة عملية, وشكر المال هو بالإنفاق منه في كل أوجه الخير.

أيضا تم ذكر الإنفاق في هذه الآية بعد الإيمان بالغيب, فإذا آمنت حقا أن الله هو الرزاق الكريم, وسوف يرزقك حتما, فسوف تنفق مالك وانت على يقين أن مزيد من الخير والمال في طريقه إليك بسبب انفاقك, حتى وإن لم ترى هذا المال وهذا الخير الآن, فانت متيقن تماما من كرم الله وفضله العظيم, فيشجعك هذا اليقين على الإنفاق والكرم أكثر.

وَٱلَّذِينَ يُؤۡمِنُونَ بِمَآ أُنزِلَ إِلَيۡكَ وَمَآ أُنزِلَ مِن قَبۡلِكَ وَبِٱلۡأٓخِرَةِ هُمۡ يُوقِنُونَ (4)

أُوْلَٰٓئِكَ عَلَىٰ هُدٗى مِّن رَّبِّهِمۡۖ وَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُفۡلِحُونَ (5)

بعد الإيمان بالله وكتبه ورسله يأتي اليقين في الحياة الأخرة, لتكون من المتقين حقا يجب أن تؤمن باليوم الأخر, وتعلم أن هذه الحياة مؤقتة وانها اختبار وكلنا إلى الله راجعون.

مرة أخرى يتم ذكر الهدى من الله, للتأكيد على أن الهداية مقترنة بتقوى الله, وأن هذا الكتاب الذي هو القرآن, يحتوي على كل الهدى والفلاح في الحياة الدنيا والأخرة والفلاح هو السعادة ولا يمكن أن تنول تلك السعادة إلا عندما تتصف بتلك الصفات السابق ذكرها.

تعرف على طريقة الكتابة لتغيير حياتك وإعادة تشكيها كما ترغب تماما سجل ايميلك من هنا

غير حياتك بنور القرآن واشترك في التدريب الشخصي مع لايف كوتش ابراهيم لتحصل على منهج تدريبي وخطوات عملية من القرآن مناسبة لحالتك وشخصيتك انت بالذات.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *