تطوير الذات بالقرآن الكريم (29) – الشكر: أسلوب حياة

وقت القراءة: 19 دقيقة

بعد قراءتك لهذا الدرس ستتعلم:

1/ ما الهدف الأساسي من العيش بالشكر؟

2/ ما معنى الشكر الحقيقي؟

3/ ما أصدق تعبير عن الشكر؟

4/ ما الفوائد التي تعود عليك عندما تعيش بالشكر؟

5/ لماذا من المهم للغاية أن تكتسب مهارة التفكير الإيجابي؟

6/ ما هي بعض الأمثلة العملية على التفكير الإيجابي؟

7/ ما هي أهم تطبيقات الشكر العملية؟

8/ ما معنى كلمة الحمد لله؟ 

9/ ما هو أفضل حمد؟

10/ ما معنى ما شاء الله لا قوة إلا بالله؟

11/ ما مظاهر الفرح بالنعمة وتقديرها؟

12/ ما الحكمة من فرحك بنعمة غيرك؟

13/ ما الأسلوب الصحيح لشكر الناس؟

14/ كيف تحفظ النعمة من الزوال بإذن الله؟

15/ ما أفضل عمل صالح تعبر به عن شكرك وامتنانك لله؟

16- ما هي الأفعال الصالحة التي تستطيع التعبير بها عن شكرك؟

17/ لماذا من المهم أن تجعل الشكر أسلوب حياة؟

18/ كيف تدرب نفسك على العيش بالشكر في الأوقات الصعبة؟

19/ كيف تحسن الظن بالله عمليا؟

20/ كيف تجعل من الشكر اسلوب حياة؟

21/ لماذا من الضروري التوقف عن الشكوى والتذمر من الحال؟

22/ هل شكرت الله على نِعَمِه التي لا تُعَد ولا تُحصى؟

بسم الله نبدأ…

الهدف الأساسي من هذا الدرس هو أن تستوعب وتدرك تماما معنى أن تحمل قلبا شاكرا يشعر بالشكر والحمد والامتنان لنعم الله التي لا تعد ولا تحصى وأن تستشعر فعلا عظمة وجود كل تلك النعم في حياتك وتفهم أن وجودها في حياتك ليس حقا مكتسبا لك وإنما هو تَفَضُّل وكرم كبير من الله عز وجل يستوجب منك الشكر الدائم بقلبك ولسانك وأفعالك, وأن تجعل من الشكر أسلوب حياتك وتصلب به للسلام النفسي بإذن الله

لذلك في هذا الدرس سنذكر بإذن الله كل ما له علاقة بالشكر معناه وتطبيقاته العملية في حياتنا حتى تفهم الرسالة كاملة وتمتلك القدرة أن تحيا بالشكر

أولا. معنى الشكر الحقيقي

الشكر هو احساس دافئ بالاطمئنان لوجود النعمة والامتنان العميق لمن كان السبب في وجود تلك النعمة في حياتك, الشكر الحقيقي لابد أن يكون احساسا صادقا نابعا من القلب وليس من باب رد الجميل او التفضل على من أنعم عليك ولا من باب الواجب او الذوق العام, افهم جيدا أن شعورك بالامتنان ليس شيئا زائدا تتفضل به وإنما هو استجابة طبيعية ينفعل بها قلبك عندما ترى أثر النعمة في حياتك

معنى الشكر هو أن تعيش دائما مع المنعم الحقيقي وهو الله عز وجل وأن تتذكر باستمرار أنك مجرد متلقي للنعمة وأنها ليست أصيلة فيك وأنك مؤتمن على الحفاظ عليها باستخدامها فيما يرضي الله

أصدق تعبير عن الشكر لا يكون فقط بالقلب واللسان وإنما أيضا بالأعمال التي تظهر انك بالفعل تشعر بكثير من الامتنان لهذه النعمة ولمن أنعم بها عليك

“يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِن مَّحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَّاسِيَاتٍ ۚ اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا ۚ وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ” (13 – سبأ)

ثانيا. لماذا نحيا بالشكر؟

ما فائدة أن تحمل قلبا شاكرا؟ او أن تجعل الشكر أسلوب حياتك؟ سأساعدك الأن في تخيل الصورة التي ستصبح عليها حياتك بإذن الله عندما تقرر أن تجعل الشكر أسلوب وطريقة للعيش

من فوائد العيش بالشكر هو الهدوء النفسي, ستريح قلبك من كل المشاعر المؤذية مثل الحقد والغضب والرغبة في الانتقام والكراهية, تلك المشاعر التي تسبب حالة عميقة من اختلال التوازن النفسي وعدم الراحة وتفسد عليك أي فرصة لعيش حياة مستقرة, وعندما تسمح للشكر أن يدخل حياتك سوف يستريح عقلك من كل الأفكار المزعجة التي تؤرق منامك وتسلب منك القدرة على التركيز والاستمتاع باللحظة الحالية وتفسد عليك أي فرصة حقيقية للسعادة

من المستحيل أن تشعر بأي مشاعر سلبية في نفس اللحظة التي تشعر فيها بالشكر والامتنان, مستحيل أن تتكاثر الأفكار السلبية داخل عقلك في نفس اللحظة التي تختار فيها أن تحمد الله 

من فوائد العيش بالشكر هو التحسن اللحظي الذي يحدث في كل جوانب حياتك, عندما تقرر أن تكون حامدا شاكرا, ستشعر براحة نفسية لا يمكن وصفها بالكلمات ستنعكس على كل أفعالك واختياراتك وستجد أن حياتك كلها قد بدأت بالتغير شيئا فشيئا نحو الأفضل لأن سلوكك قد تغير للأفضل

من فوائد العيش بالشكر هو إحساس رائع بالرضا التام عن نفسك وعن كل حياتك, ستصبح أكثر مرونة وتقبل لكل الأشخاص وكل الأحداث في حياتك, ستصبح أكثر حبا لنفسك مهما كانت عيوبك وذلك لأنك اخترت أن تنظر للجانب الجيد من كل شيء وتشكر الله عليه 

عندما تعيش بالشكر ستعلم جيدا أن اليسر أكثر بكثير من العسر

عندما تعيش بالشكر ستتأكد أن ما تظنه عقبة في طريقك هو في الحقيقة فرصة ذهبية لتطوير نفسك وتحسين حياتك

عندما تعيش بالشكر سترى بالفعل أن نظرتك للحياة تتحكم في كل أحداث حياتك

عندما تعيش بالشكر سوف يزيدك الله من فضله ويبارك لك في نعمه وهذا وعد رباني “وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ ۖ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ”

(7 – ابراهيم)

عندما تعيش بالشكر سوف يشعر الناس بالراحة حولك ويحبون التحدث معك

عندما تعيش بالشكر ستجد أن كل أمورك تسير بسلاسة وتوفيق من الله وما كنت تظنه عسيرا قد أصبح في غاية السهولة

عندما تعيش بالشكر ستجد أن كل أبواب التوفيق قد فُتحت أمامك وما عليك إلا أن تدخلها بكل ثقة

عندما تعيش بالشكر ستكتسب قوة شخصية ورباطة جأش في المواقف الصعبة لأنك تحمل قلبا مطمئنا مؤمنا بالله وحسن الظن به

عندما تعيش بالشكر سوف لن يتوقف لسانك عن قول الحمد لله وما شاء الله لا قوة إلا بالله وسوف تشعر بها حقا في قلبك 

عندما تعيش بالشكر ستجد الابتسامة دائما طريقها إلى وجهك 

عندما تعيش بالشكر ستطمئن لكل الأحداث في حياتك لأنك تعلم أنها خير ولابد أن تنتهي إلى خير بإذن الله

هذا جزء يسير من روعة أن تحيا بالشكر وتجعله أسلوب حياتك, والباقي ستكتشفه بنفسك, بدون الشكر لا يمكنك الحصول على السلام النفسي, لذلك ماذا تنتظر؟ 

ثالثا. التفكير الإيجابي

إذا أردت أن تحيا بالشكر لابد أن تكتسب مهارة التفكير الإيجابي وهي أن تمتلك القدرة لرؤية الأشياء الجيدة دائما وتركز عليها, انت لا تخدع نفسك, انت واعي تماما أن هناك أشياء سيئة أيضا لكنك تختار وتقرر أن تنظر للجيد فقط وتركز عليه,

عندما تضع كامل تركيزك في شيء ما فإنك تهتم به وترى المزيد منه

إن رأيت 99 شيئا سلبيا, وشيء واحد فقط إيجابي لابد أن تدرب نفسك أن تنظر وتركز فقط على هذا الشيء الإيجابي ولا تلتفت أبدا للأشياء السلبية, معظم الناس -بحكم أن النفس أمارة بالسوء- سوف ينظرون للسلبي فقط ويتجاهلون الإيجابي تماما, لكنك عندما تقرر أن تحيا بالشكر سوف تهتم فقط بالشيء الواحد الإيجابي وتحمد الله عليه ولن تترك لنفسك الفرصة أن تنزلق نحو دوامة السلبية

أمثلة بسيطة على مهارة التفكير الإيجابي, إن كنت تنام على فراش بالي فاحمد الله أنك لا تنام على الأرض

إن كنت تمتلك القليل من المال ولا تقدر على شراء كل ما تريد فاحمد الله انك تستطيع اطعام نفسك و تملك قوت يومك

إن كنت تشعر بالضياع والتشتت في حياتك فاحمد الله انك تمتلك حياة وما زلت تسير على وجه الأرض ولازالت لديك فرصة للتغيير

إن كنت تحاول الوصول لهدفك ولم يكتب الله لك النجاح بعد فاعلم أن الله يؤخره لصالحك و لحكمة عظيمة لا تعلمها الأن وأن لكل شيء وقته المثالي

إن كنت تكره وظيفتك ولا تحب زملائك في العمل فاحمد الله انك على الأقل تمتلك وظيفة و راتب شهري ثابت

إن كنت غير سعيد في زواجك فاحمد الله انك تمتلك بيت وأسرة

إن كنت غير سعيد بشكل جسدك فاحمد الله انك تستطيع السير والرؤية والسمع والاهتمام بشؤونك الخاصة دون مساعدة من أحد

إن كنت تعاني من مشكلة صحية فاحمد الله الذي يسر لك العلاج

مع الوقت سيصبح التفكير الإيجابي عادة عقلية تقوم بها حتى دون أن تشعر وستجد أن المزيد من الأشياء الإيجابية قد بدأت تظهر وتتكاثر وأن الإيجابية أصبحت أسلوب حياتك

رابعا. تطبيقات الشكر العملية

1- معنى الحمد لله

كلمة الحمد لله معناها انك تقر وتعترف أن فضل وجود هذه النعمة في حياتك منسوب لله عز وجل وبالتالي يستحق الشكر الدائم والثناء عليه وذكره وتعظيمه, ولابد أن يكون هذا المعنى حاضرا في قلبك أثناء نطقك بها 

كلمة الحمد لله لابد ألا تفارق لسانك أبدا لأنك دوما تعيش في سيل لا نهائي من النعم التي تستحق الحمد, أثناء نطقك بها درب عقلك على استحضار كل المرات التي أنعم الله بها عليك بنفس النعمة, لا تفهم من كلامي أنه يجب عليك تذكر كل تلك المرات واحدة تلو الأخرى, لكن فقط أدرك حقيقة أن الله قد أجزل لك العطاء مرات عديدة من قبل وكل مرة تقول الحمد لله فأنت تشكره على كل تلك المرات و كل تلك النعم

مثال. عندما تشكر الله على نعمة الصحة والعافية, أولا انت تشعر بالامتنان داخل قلبك لأنك سليم معافى وينتقل هذا الإحساس إلى لسانك فتقول الحمد لله والشكر لله وأثناء قولك تَذَكَّر كيف أن الله أنعم عليك بالصحة في أيام عديدة من حياتك و مَنَّ عليك بالعافية في معظم أوقاتك وأدرك انك لم تستطع أن تفعل أي شيء في حياتك إلا لأنك تتمتع بصحتك, فهذه النعمة العظيمة هى التي تسمح لك بالحركة والكلام والسير والنوم والاستيقاظ والأكل

وهكذا مع كل النعم التي تشكر الله عليها, امتن لوجودها بقلبك واشكر الله عليها بلسانك وفكر في كل فوائدها وقيمتها بعقلك, بهذه الطريقة تشترك كل جوارحك في أداء الشكر ويصبح اثره عظيما بإذن الله

ما هو أفضل حمد؟ هو الحمد الذي تشعر به قويا في قلبك ليس فقط لأن الله أنعم عليك بكثير من النعم وليس فقط لأنك ترغب في مزيد من نعم الله وليس فقط لأنك تريد الحفاظ على النعمة واستمرار وجودها في حياتك, ولكن الأهم من هذا كله أن تحمد الله وتشكره و تسترضيه لأنه في ذاته يستحق الحمد والشكر والثناء والتعظيم

2- الفرح بالنعمة 

“وَلَوْلَا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ ۚ إِن تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنكَ مَالًا وَوَلَدًا” (39- الكهف)

عندما تعجبك نعمة أنعم الله بها عليك وينشرح لها صدرك, دائما قل ما شاء الله لا قوة إلا بالله كي تُذَكِّر نفسك دائما أن الله هو من أعطاها لك وأنها ليست ذاتية فيك

 الحكمة من قول ما شاء الله لا قوة إلا بالله باستمرار أن تعيش دوما مع المنعم وصاحب الفضل الحقيقي وهو الله عز وجل, وأن تعلم أن كل هذا الخير هو بمشيئة الله وحوله وقوته ولا حول ولا قوة إلا بالله

أيضا من معاني ما شاء الله لا قوة إلا بالله الرائعة أنك تتمنى وتطلب من الله أن ينعم عليك بكل ما تحب وتعلم حق العلم أن الله هو الذي يشاء أن يقول لما يريد كن فيكون بإذن الله وأنه لا قوة لأحد في تحقيق أمنياتك إلا لله, لذلك اطلب كل أمنياتك وكل ما تريده من الله ثم تحلى برضا تام عما يريد الله أن يجريه عليك, اترك كل أمرك لله وثق أن الله سيختار أفضل شيء ويسوقه لك 

ومن أجمل مظاهر الفرح بالنعمة أن تفرح بكل النعم التي تظهر حولك حتى وإن كانت لأشخاص غيرك, إذا رأيت زوجين سعيدين اشكر الله على نعمة السعادة الزوجية و ادع الله أن يزيدهم من فضله ويبارك في أولادهم

إذا رأيت طالبا متفوقا في دراسته افرح له و اشكر الله على نعمة العلم و ادع الله أن يزيده علما

إذا رأيت شخصا غنيا افرح له و اشكر الله على نعمة المال و ادع الله أن يزيده مالا وقدرة

إذا رأيت شخصا قويا صحيحا افرح له و اشكر الله على نعمة الصحة والقوة و ادع الله أن يبارك له في صحته وقوته 

إذا رأيت شخصا جميلا افرح له واشكر الله على نعمة الجمال و ادع الله أن يزيده جمالا

إذا رأيت شخصا حسن الخلق افرح له واشكر الله على نعمة الأدب والذوق و ادع الله أن يزيده حسنا في الخلق

إذا رأيت شخصا أكرمه الله بفصاحة اللسان وقوة البيان افرح له واشكر الله على نعمة النطق و ادع الله أن يزيده بلاغة

إذا رأيت مستشفى او سيارة اسعاف اشكر الله على نعمة الصحة والعلاج و ادع الله أن يشفي كل مريض

إذا رأيت سيارة شرطة اشكر الله على نعمة الأمن والأمان و ادع الله أن يغيث كل ملهوف 

الحكمة من فرحك بنعمة غيرك هو أن النعمة تحب من يفرح و يحتفي بها وتذهب إليه, فكل مرة تفرح فيها بمظهر من مظاهر النعمة على أحد عباد الله فأنت بذلك تستدعي هذه النعمة لحياتك انت أيضا

ومن مظاهر الفرح بالنعمة هو الحديث الإيجابي عنها, لأنك حين تذكر النعمة لغيرك فأنت تنشر وتشيع وجود هذه النعمة في الكون و في قلوب السامعين وستكون انت المستفيد الأول لأن ما تعطيه سوف يعود لك أضعافا وكثرة الكلام الإيجابي سيمنحك نفسا سوية ومستعدة لاستقبال كل الخير من الله 

ومن مظاهر الفرح بالنعمة وتقديرها أن تشكر كل من كان سببا في وجود واستمرار هذه النعمة في حياتك, لأن من لا يشكر الناس لا يشكر الله, اشكر كل من يقوم بخدمتك مهما كانت هذه الخدمة صغيرة, حتى لو كانت هذه هي وظيفتهم او واجبا عليهم, لابد أن تقول شكرا لك على كذا وكذا واجعلها صادقة من القلب و أن تكون مصحوبة بابتسامة

عندما تشكر إنسان فانظر إليه وأخبره انك شاكر له واذكر كل الأشياء التي فعلها من أجلك, ماذا تشعر عندما يشكرك شخص ما على شيء فعلته ويكون بالفعل صادق في امتنانه لك؟ بالتأكيد ينشرح صدرك وتحب أن تفعل له المزيد عن طيب خاطر

وأيضا من مظاهر الفرح بالنعمة وشكرها هو أن تأخذ بكل الأسباب الممكنة لتطوير وتحديث هذه النعمة وتحقيق أقصى استفادة منها لك ولغيرك والحفاظ عليها

“وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ” (11 – الضحى)

 “فَحَدِّثْ” بمعنى التحدث الإيجابي عنها وشكر من كان سببا في وجودها وتحديثها

3- حفظ النعمة 

الحفاظ على النعمة يكون باتقاء المخاطر الثلاثة:

-الخطر الأول أن تظن أن هذه النعمة أصيلة وذاتية فيك فتضمن وجودها فلا ترعاها حق رعايتها بل وتستخف بها

إذا أردت الحفاظ على النعمة في حياتك اظهر كل الاحترام والتقدير للنعمة وأحسن التعامل معها, لا تهنها ولا تضمن وجودها فتهملها, اعلم أن كل يوم ينعم الله عليك بهذه النعمة هو فضل كبير من الله عز وجل يستحق جزيل الشكر والعرفان

-الخطر الثاني أن تغتر بنفسك وتنسى فضل المنعم الحقيقي وهو الله عز وجل, او تتناسى أي فضل لمن كان سببا في حصولك على هذه النعمة من الناس

اعلم جيدا أنه ليس لك من الأمر شيء إلا بما أنعم الله عليك واعلم أن استمرار وجود النعمة في حياتك مرهون بشكرك لها وأداء حقها, عندما تستشعر عظم أثر نعمة أنعمها الله عليك وأكرمك بها, فأول شيء تفعله هو أن تملأ قلبك بالامتنان للنعمة و لأثرها في حياتك, وبإحساس عميق بالشكر والحمد لله ولكل من كان سببا مباشرا أو غير مباشر في حصولك على هذه النعمة وتبدأ في التعبير عن شكرك بالقول والفعل 

-الخطر الثالث أن تستعمل هذه النعمة فيما لا يرضي الله 

إذا أردت أن تحافظ على النعمة في حياتك لابد أن تستخدمها فقط فيما يرضي الله وفيما ينفعك وينفع الناس, لا تستعملها أبدا في معصية او في ضرر لك او لأي أحد او في أي شيء يغضب الله عز وجل, هذا هو ضمان استمرارها في حياتك بإذن الله

4- فعل الخيرات

من أهم تطبيقات الشكر العملية فعل الخيرات, مثلا يمكنك أن تستخدم نعمتك في مختلف أوجه الخير دون انتظار مقابل إلا رضا الله سبحانه وتعالى, والتصدق بمالك وجهدك ووقتك في خدمة الناس وتسهيل حياتهم, فينبغي عليك أن تنجز عملاً للآخرين كي تعبر عن امتنانك لهم, تساعد أخاك على قضاء حاجة ما، أو تفرج عنه هماً، أو ترسم الابتسامة على وجهه، أو تدخل السرور إلى قلب طفلك أو زوجتك أو أخيك أو أبيك أو أمك ..

ولا يوجد فعل تتقرب به إلى الله وتعبر به عن شكرك وامتنانك بطريقة عملية وتضمن به خير الدنيا ونعيم الآخرة أفضل من بر الوالدين والإحسان إليهما 

“وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَىٰ وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ” (14 – لقمان)

لا يوجد لأحد فضل عليك بعد الله إلا أبيك وأمك, أكبر تعبير عن الشكر والامتنان لابد أن يكون لهما بعد الله عز وجل, عاملهما بالحسنى وبكل سعة صدر, ابتسم لهما دائما, قل فقط ما يحبون سماعه, انصت لهما وافعل كل ما يطلبونه منك, تحملهم في أوقات غضبهم وعدم رضاهم وكن دائما في خدمتهم, افهم أنهم لا يتعمدون الإساءة إليك أبدا, كن صبورا معهم لاقصى درجة وقدِّر قيمة كل لحظة وكل يوم تعيشه معهم وتأكد تماما أنه لا يوجد إنسان يحبك ويريد لك الخير مثل أبوك وأمك

بر الوالدين له مفعول السحر في تحسين كل أمور حياتك, لا يوجد أي إنسان ناجح وسعيد في حياته إلا ولابد أن يكون له في بر الوالدين نصيب, عندما تبر والديك تشعر أنك منسجم مع الكون كله وتجد أن كل شيء ينصاع لأوامرك بإذن الله

5- التوبة والرجوع إلى الله

شكر الله يكون باجتناب كل محارمه ونواهيه, المعاصي والذنوب من أكبر مسببات مغادرة النعمة وخسارتها وقلة بركتها, إذا وجدت تضييقا عليك في نعمة ما اشكر الله واعلم جيدا ان هذا التضييق بسبب معصية او ذنب قمت به, استغفر الله كثيرا و راجع نفسك وانظر ماذا فعلت, تُب إلى الله و اعزم على عدم العودة للذنب, وإذا رجعت للذنب مرة أخرى لا تيأس, جدِّد التوبة وابدأ من جديد وجاهد نفسك حتى تُطَهِّر نفسك تماما من الذنب وتجد كل البركة وزيادة في النعم بإذن الله 

رُد المظالم إلى أهلها و أحسن لكل من أسأت إليه, افعل المزيد والمزيد من الحسنات والخيرات والأعمال الصالحة كي تثبت لنفسك صدق نيتك في التوبة وكي تتقرب أكثر لله وتثبت انابتك ورجوعك إليه 

خامسا: الشكر اسلوب حياة

الشكر ليس أداة تستخدمها كي تصل لغاية معينة وإنما هو أسلوب حياة وطريقة للعيش, الشكر هو أقصر طريق للسلام النفسي فإذا أردت أن تنعم بالراحة والهدوء وسعة الصدر لابد أن تتحلى دائما بفضيلة الشكر والامتنان لله ولكل نِعَمِه 

احرص أن تعيش في حالة هادئة من السكون والاطمئنان بشكر الله في كل وقت حتى في أوقاتك الصعبة, كثير من الناس يجدون صعوبة كبيرة في الشعور بالامتنان والشكر في الأوقات العصيبة, بالطبع الحياة تحتوي على العديد من الضغوطات التي يصبح معها من الصعب المحافظة على قلب مليئ بالشكر, لكن تأكد أن الشكر هو أفضل وسيلة لتحويل كل الأمور لصالحك إن قررت البحث عن شيء يجعلك شاكرا 

كيف تدرب نفسك على العيش بالشكر في الأوقات الصعبة؟ عندما تسيطر عليك الأفكار والمشاعر السلبية, خذ نفس عميق ومع الزفير كرر الحمد لله ثلاث مرات وبإذن الله ستجد أن عقلك قد بدأ يهدأ وتركيزك أصبح يتجه نحو الأشياء التي تجعلك شاكرا, انت بذلك تدرب نفسك أن تبحث باستمرار عن الأشياء الإيجابية حتى في أحلك الظروف, ومع الوقت سيصبح الشعور بالشكر والاطمئنان شيء تلقائي وعادة عقلية متأصلة فيك تفعلها حتى دون أن تشعر 

أيضا كي تجعل من الشكر اسلوب حياتك, تحلى دائما بسعة وانشراح الصدر, خذ كل الأمور ببساطة وسهولة لأنك تعلم جيدا أن الله سيتكفل بكل شيء فلا داعي للقلق, لا تفرط التفكير في أشياء خارج نطاق سيطرتك ودع كل شيء لا تقدر عليه لله وثق تماما أن الله سيجعل لك من كل ضيق مخرجا ومن كل هم فرجا, الأمر فقط يحتاج منك أن تحسن الظن بالله بطريقة عملية 

كيف تحسن الظن بالله عمليا؟ افعل كل ما عليك وخذ بكل الأسباب الممكنة لا تجعل سببا واحدا في نطاق سيطرتك إلا وتأخذ به ثم اترك الباقي لله وكن مطمئنا ولا تسمح للأفكار السلبية أن تسيطر عليك

كي تجعل من الشكر أسلوب حياتك اهتم كثيرا بكل الكلام الذي ينطق به لسانك, أي كلمة تحتوي على شكوى او حسرة او تذمر تسبب زوال او نقصان النعمة, لأن الشكوى تعني انك لست في حالة شكر وامتنان بل في حالة رفض ونكران وجحود لنعم الله وغير متقبل ولا راضي عن واقعك وحياتك

لا يمكنك الشعور بالامتنان في نفس الوقت الذي تنطق فيه بالشكوى او تتذمر فيه عن وضع معين او تتحسر فيه على الماضي, لذلك احذر ان تنساق وراء المشاعر السلبية التي تغريك بالشكوى واعلم جيدا أن أي كلمة سلبية تنطق بها سوف تنزع منك نعمة في المستقبل, الأفضل والأسلم أن تعيش في حالة من الهدوء والتقبل لكل مشاعرك لكن في جو عام من الشكر والحمد والامتنان لله ورضا بالحال وثقة أنه بطريقة ما سوف يصلح الله كل شيء

سادسا: هل شكرت الله -عز وجل- اليوم؟

هل شكرت الله على منزلك والمكان الذي يحميك من مخاطر العالم, هل شعرت بالامتنان للماء الجاري الذي ينساب بوفرة عندما تفتح الصنبور, هل حمدت الله على فراشك المريح 

هل شكرت الله على نعمة العائلة, الأب والأم والأخ والأخت والزوجة والابن والبنت, هل شعرت بالامتنان لنعمة صلة الأرحام, هل حمدت الله على الإحساس الجميل بالقرابة والود

هل شكرت الله على نعمة الأصدقاء والعشيرة, هل شعرت بالامتنان على نعمة الونس والصحبة, هل حمدت الله على كل الأوقات الجميلة التي قضيتها مع أصدقائك

هل شكرت الله على نعمة الماء الذي تشرب, هل شعرت بالامتنان للطعام الذي تأكل وحمدت الله على نعمة الهواء المجاني الذي تتنفس و يبقيك حيا

هل شكرت رزقك الذي كتبه الله لك, هل شكرت اللقمة التي يسوقها الله إلى فمك أم تكبرت عليها وبطرت, هل تعلم أن هذا الطعام ليس من صنعك و أنه جاء إليك من غير حول منك ولا قوة؟

هل شكرت على نعمة النشاط والحركة بالنهار, هل حمدت الله على نعمة النوم والراحة والسكون بالليل

هل شكرت الله على عينيك اللتان يساعدانك في الرؤية والتمتع بجمال هذا العالم, هل شعرت بالامتنان لله على نعمة السمع والاستمتاع بكل الأصوات, هل حمدت الله على نعمة التذوق التي بدونها لن تستطيع الاستمتاع بالأكل والشرب

هل شكرت الله على نعمة الشم, هل حمدت الله على جلدك الذي يجعلك جميلا ويجعلك تشعر بالبرودة والسخونة 

هل شكرت الله على قدميك اللتان تمشي عليهما وتتنقل من مكان لآخر بكل سهولة, هل شعرت بالامتنان ليديك اللتان يساعدانك في أداء كل شيء

هل شكرت الله على صوتك الذي تستعمله للتعبير عن كل ما تريد و تتواصل به مع الآخرين, هل شعرت بالامتنان لجهازك المناعي الذي يحميك من كل الأمراض ويصون جسدك من كل المخاطر, هل حمدت الله على نعمة العقل والفكر والوعي

هل شكرت الله على نعمة القلب الذي يضخ الدم والغذاء لجميع أعضائك, هل شعرت بالامتنان على نعمة الصحة والسلامة الجسدية, هل حمدت الله على قدرتك على المشي والتحدث والكلام والتفكير السليم

هل شكرت الله على نعمة العلم والتعلم, هل شعرت بالامتنان على قدرتك على القراءة والكتابة, هل حمدت الله على مؤهلك الدراسي والعلمي 

هل شكرت الله على نعمة الوطن, هل شعرت بالامتنان أنك تعيش في وطن كريم له حدوده و أنك تعيش فيه آمنا مطمئنا على مالك وحالك و أهلك ونفسك

هل شكرت الله على نعمة المال, هل حمدت الله على قدرتك على شراء ما تحتاجه والتكفل بمتطلبات حياتك الضرورية 

هل شكرت الله على نعمة العمل, هل حمدت الله على نعمة الكسب الحلال

هل شكرت الله على نعمة الحب والمشاعر الجميلة بينك وبين كل من تحبهم يحبوك

هل شعرت بالامتنان لكل الناس الذين ساعدوك أو قدموا إليك شيء إيجابي في حياتك حتى صرت ما انت عليه اليوم

هل حمدت الله على نعمة الإسلام, هل شعرت بكل الامتنان لنعمة رسول الله محمد عليه أفضل الصلاة والسلام الذي هو رحمة الله للعالمين, هل شكرت الله على نعمة اصطفاء الدين

هل شكرت كل من كانوا سببا مباشر او غير مباشر في ميلادك مسلما على دين الفطرة

هل شكرت الله على نعمة الصلاة, هل شعرت بالامتنان انك تقابل الله خمس مرات في اليوم دون وسيط, هل حمدت الله على نعمة الدعاء والاستجابة

هل شكرت الله وشعرت بالامتنان وحمدت الله على نعمة القرآن الكريم الذي هو كلام الله ونوره في الأرض 

هل شعرت بالشكر والامتنان لنفسك لأنك تريد التطوير من ذاتك وتحسين حياتك بالقرآن الكريم

هل شكرت نفسك على فضيلة المثابرة والإصرار كي تكون أفضل

هل شكرت الله على نعمة التقوى والخوف من الله, هل حمدت الله على نعمة أن تكون شاكرا حامدا مطمئنا بنعم الله

هل شكرت الله على نعمة التوبة والاستغفار, هل حمدت الله على رحمته بك وحلمه عليك وامهاله لك 

هل شكرت الله على كل تلك المرات التي أنعم عليك بستره بعد معصيتك, هل شعرت بالامتنان لنعمة التيسير وتسهيل أمور حياتك

هل شكرت الله على نعمة الرسائل الربانية التي يرسلها لك الله, عندما تسمع آية قرآنية أنصت واستمع جيدا وافهم الرسالة التي يريد الله إيصالها لك واشعر بالامتنان لأن الله يحبك ويهتم بك ويريد سعادتك

اعلم جيدا أنه لا يمكنك الوصول لأي سعادة او سلام نفسي في هذه الحياة دون أن تجعل من الشكر والحمد أسلوب حياة وأن تمتلك دائما قلبا مطمئنا مليئا بالامتنان لله.

👈للاشتراك في دروس تطوير الذات بالقرآن الكريم 👉

👈الاشتراك في قناة د. إبراهيم عبد الواحد👉

برجاء تقييمك للمقالة في قسم التعليقات👇

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *