تطوير الذات بالقرآن الكريم (13) – قيمة العمل

بعد قراءتك هذا الدرس ستتعلم:

1/ لماذا العمل هو سر الحياة السعيدة؟

2/ كيف يجعلك العمل الجاد تحب وتقدر ذاتك أكثر؟

3/ كيف تجبر كل المحيطين بك على احترامك وتقديرك؟

4/ هل يستفيد الناس من صلاتك وصيامك أم من عملك؟

5/ لماذا حب المصلحة و الفائدة ليس أنانية؟ 

6/ كيف تنجذب السعادة إليك من تلقاء نفسها؟ 

7/ متى تكون عبئا على مجتمعك؟

8/ ما هي أنواع الأعمال المفيدة التي يمكن ان تقدمها؟

9/ كيف تتعامل مع انتقادات الناس اللاذعة؟ 

10/ كيف تطور من نفسك في وظيفتك وما الفائدة التي ستعود عليك؟

11/ كيف تطور من عملك الخاص؟

12/ كيف تطور من جودة المحتوى الذي تقدمه؟

بسم الله نبدأ…

مهما أخبرتك عن قيمة العمل في تطوير ذاتك وزيادة مستوى سعادتك فلن أوفيه حقه أبدا, ان يكون لك عمل او شغل تبدأ به يومك و تتمحور حوله نشاطاتك لهو أمر في غاية الأهمية 

لابد ان تكون إنسان ذو قيمة, وقيمتك في الدنيا هي ما تقدمه كي تفيد به غيرك وتستفيد منه انت أيضا 

“وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ ۖ وَسَتُرَدُّونَ إِلَىٰ عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ” (التوبة 105)

إذا لم يكن لديك هدف واضح ومحدد يجعلك تستيقظ من نومك في الصباح الباكر لكي تسعى إليه فلن يكتب لك النجاح في أي محاولة لتطوير ذاتك او تحسين حياتك بالقرآن الكريم لأن الحث على العمل واضافة القيمة هو جوهر الإسلام والدين

كل عباداتك التي أمرك الله بها والتي تفعلها بانتظام وتجتهد لكي تؤديها هي أمر سري بينك وبين الله و سيجازيك الله عليه لأنه هو الأعلم بنيتك, لكن الهدف الأساسي من فرض هذه العبادات هي ان تجعلك إنسان سوي يحترم نفسه ويحترم الآخرين ويفيد المجتمع الذي يعيش فيه 

لن يستفيد الناس من كثرة صلاتك وتسبيحك, لأن صلاتك وتسبيحك وسائر العبادات التي تقوم بها انت الوحيد المستفيد منها وليس هم, الناس لن تستفيد إلا من أخلاقك الحسنة, معاملتك الطيبة, و من القيمة التي تضيفها لهم 

انت أيضا لن تهتم كثيرا هل هذا الشخص يصلي او يصوم, انت تهتم أكثر بالقيمة العائدة عليك من علاقتك معه, وهذه ليست أنانية أبدا إنما هي الطبيعة البشرية السوية التي تنجذب و تقدر كل شيء مفيد ونافع وتحترم كل من يقدم لهم قيمة تنفعهم في تصريف شئون حياتهم 

شيء آخر في منتهى الأهمية, وهو ان كونك إنسان عامل تضيف للناس قيمة معينة يساهم بشكل عظيم في احترامك لذاتك و في الطريقة التي تنظر بها لنفسك

حب الذات ليس أمرا تولد به او تتعلمه في المدارس, وليس أمرا يمكنك الحصول عليه في الحال إنما هو ثمرة العمل الجاد الذي تتميز فيه و تبرع في تقديمه للآخرين 

جميعنا يمتلك الرغبة العارمة في الحصول على التقدير من الآخرين, جميعنا يريد ان يُرَى ويُعترَف بوجوده لكن قليل منا فقط هم من يفهمون ان الحصول على كل هذا التقدير و الإعجاب هو نتيجة حتمية ومنطقية إذا أحببت واحترمت نفسك أولا للحد الذي تُجبِر كل الناس على حبك واحترامك 

الطريقة الوحيدة لكي تكتسب احترام ذاتك هو ان تفعل شيء مفيد لمجتمعك وتتميز في فعله لوقت طويل حتى تصبح واحدا من أفضل الخبراء في هذا الشيء 

يمكن ان يعجب الناس بجمال شكلك او عذوبة صوتك, قوة شخصيتك او علمك, لكنهم لن يقدرونك إلا عندما تستخدم هذه المميزات في تقديم منفعة لهم

لابد ان تفهم هذا جيدا, نحن نعيش في مجتمع تكافلي, وإذا كنت لا تقدم قيمة ما يستفيد الناس منها فستصبح بمرور الوقت عبئا على كل من حولك و سيدمر ذلك ثقتك بنفسك واحترامك لذاتك

ذلك من سنن الله الأصيلة في الكون, لابد ان يحتاج كل منا للآخر و نتفاعل مع بعضنا البعض لكي تستمر الحياة و تزدهر ويساهم هذا في ارتقائنا كجنس بشري 

إذا كنت لا تعمل ولا تقدم فائدة لمن حولك فأنت تسير عكس هذه السُنّة الكونية ولا تتساءل لماذا لا يمكنك أبدا الشعور بالسعادة والاكتفاء

“فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ ۚ فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا ۖ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا” (43 سورة فاطر)

وعلى الجانب الآخر, ان كنت انسانا عاملا وتساهم بشكل او بآخر في تسهيل حياة الناس وتقديم فائدة لهم فستنجذب لك السعادة من تلقاء نفسها دون أدنى مجهود لأن ساعتها ستختلف الطريقة التي تنظر بها لنفسك و سترى نفسك كإنسان مفيد لنفسه و مجتمعه وان هناك علة وهدف من وجودك و استيقاظك من نومك كل يوم, وهذا هو عين السعادة أن تشعر أن لك قيمة

هناك نوعين من الأعمال المفيدة التي يمكنك القيام بها لكي تقدم قيمة:

النوع الأول: عمل مفيد تحصل مقابله على عائد مادي

بعض الناس فكرتهم عن العمل ان يكون لهم وظيفة مستقرة ذات دخل شهري او سنوي ثابت وهذا شيء جيد جدا ويساهم في تنظيم حياتهم وتحسين مستوى المعيشة

البعض الاخر ينجذب لفكرة العمل الحر وإنشاء الشركات او الدخول في شراكة و ريادة الأعمال وهذا شيء ممتاز لأنه يقدم قيمة أكبر وبالتالي يحصل على فائدة أكبر

وهناك من يتميزون في العمل الخدمي بمعنى ان يقدموا قيمة او خدمة ما لعملائهم ويحصلون مقابلها على المال وهذا شيء أيضا ممتاز ومهم للغاية 

العامل المشترك هنا هو ان هذا العمل يجعلك تستيقظ من نومك في الصباح الباكر وانت تعلم جيدا ما عليك فعله لأنه مسؤوليتك, وأنك بفعله تحصل على مقابل مادي

العمل من أجل المال غاية شريفة بل وأساسية, لا تشعر بالخجل من نفسك أبدا لانك تريد ان تعمل مقابل المال, بشرط ان يكون عملك هذا ذو قيمة و فائدة حقيقية تعود عليك وعلى مجتمعك

هناك أعمال كثيرة يمكن ان تدر عليك المال الوفير خصوصا في زمننا هذا, لكنها أعمال لا تحتوى على أي قيمة تذكر ولا تساهم في تحسين حياتك ولا حياة مجتمعك بل وفي أحيان كثيرة تجلب الضرر الجسيم

هذا النوع من الأعمال يمكنه ان يجعلك فخورا بنفسك لبعض الوقت لأنه يدر عليك أرباح وفيرة او شهرة وهمية, لكنه لن يجعلك تحب او تحترم ذاتك أبدا وسيدمر حياتك على المدى الطويل, كن صادقا مع نفسك وانظر لعملك هل يقدم قيمة حقيقية أم لا؟

النوع الثاني: عمل مفيد لا تحصل مقابله على مال

(لكن يمكن تحويله لمصدر ربح في المستقبل إذا أردت) 

يمكنك ان تقدم محتوى مفيد عن شيء تحبه للمهتمين بمعرفة معلومات عن مثل هذا المحتوى, مقالات وفيديوهات مجانية عن موضوع انت مُلِم به او عن شيء تحب ان تتعلمه وتشارك تجربتك مع من يشبهونك في التفكير 

لا توجد قيود على مادة المحتوى الذي تقدمه مادام شيء مهم ومفيد للفئة التي تستهدفها ويقدم لهم قيمة حقيقية و يساهم في حل مشكلاتهم الخاصة بهذا الموضوع 

نحن نعيش في زمن الإنترنت والتواصل الإجتماعي ويمكنك بكل سهولة العثور على من يشاركونك نفس الإهتمامات والتعلم منهم ثم مشاركة تجربتك معهم وتقديم محتوى أصيل خاص بك يحمل أفكارك ووجهة نظرك وأسلوبك المميز

و بمرور الوقت سوف تكتسب خبرة كبيرة في هذا الموضوع بالتحديد وتحصل على متابعة جيدة بصفتك خبير في هذا المجال ويمكنك بعد هذا تحويل خبرتك إلى خدمة مدفوعة إذا أردت, لكن أولا عليك ان تثبت لمن يتابعك انك ذو خبرة واسعة و دراية بما تقول, والسبيل لهذا هو تقديم محتوى ذو قيمة عالية 

كثير من الناس يملكون خبرات واسعة في مجال ما ولكنهم لا يمتلكون الشجاعة او حتى الرغبة في مشاركة تجاربهم ومعلوماتهم مع الناس لأنهم لا يحبون فكرة ان يظهروا أنفسهم للعالم, خوفا من النقد الجارح او تجنبا للمشاكل 

و أحب ان أقول لك انك إذا كانت لديك خبرة في مجال ما و تود فعلا مشاركة ما تعرفه مع الناس, لا تهتم كثيرا بصورتك في أعينهم او كيف يفكرون عنك, اهتم فقط بما تقدمه من محتوى و معلومات قيمة 

اعلم أنه من الضروري ألا يعجب بك بعض الأشخاص او ينتقدوك نقدا لاذعا في بعض الأحيان لكن أيضا لا تهتم بذلك, تجاهل تلك التعليقات السخيفة و قم بالتركيز أكثر وأكثر على المحتوى الذي تقدمه و تطوير نفسك ومعلوماتك في مجالك و الوصول لأفضل طريقة لمشاركته مع المهتمين بمعرفة معلوماتك 

المهم ان تقدم شيء يفيد من يشاهدك او يقرأ لك ولا تهتم لشيء آخر أبدا 

أما إذا كنت لا ترغب في مشاركة محتواك لأي سبب كان او لرغبة شخصية فهذا ليس شيء سيء, انت بالتأكيد تعرف أسبابك جيدا 

 لكن لابد ان يكون لديك عمل تقوم به وقيمة ملموسة تضيفها كما أسلفنا, هذا هو أهم شيء, و الأمر يعود لك تماما في تقرير نوعية العمل الذي تقوم به, سواء اخترت عمل من النوع الأول او النوع الثاني انت تعرف ظروفك أفضل من أي أحد

اجلس مع نفسك قليلا وقرر نوع العمل المناسب لك, خذ كامل وقتك في التفكير ثم ابدأ بالتنفيذ والأخذ بالأسباب وتوكل على الله

أما في حالة انك تمتلك عمل بالفعل, سواء وظيفة او عمل حر او خدمي او تقدم محتوى مجاني, فمهمتك ان تفكر كيف تطور من نفسك وتتميز أكثر في هذا العمل

إن كنت موظفا, اسعى ان تفعل المهمة المكلفة لك وافعلها أفضل من أي أحد, طور نفسك باستمرار في مجال المؤسسة التي تعمل بها, اسعى لتحمل مسؤوليات ومهمات أكثر, احرص على حضورك للعمل قبل موعدك المحدد وغادر بعد موعدك الرسمي

كن كريما بمعنى ألا تفكر أنه عليك اتمام العمل الخاص بك فقط ثم المغادرة, لكن أيضا عليك الاهتمام بسير العمل كاملا حتى و ان لم يكن من اختصاصك, لكن طبعا افعل هذا دون التدخل في اختصاصات زملاءك

اعرف معلومات اكثر عن العمل الذي تقوم به, ركز أكثر في عملك, لا تتصفح الإنترنت وانت تعمل ولا تتكلم مع زملائك اثناء عملك, لا تأكل وانت تعمل, تخلص من كل ما يعيق تركيزك في تنفيذ مهمتك, لأن التركيز في العمل هو مفتاح التميز

لا تسرح في أشياء أخرى وانت تعمل ولا تسمح لعقلك بالتجول بعيدا, كن شخصا أكثر تعاونا مع زملائك ومع مديرك ولا تكن كثير الاعتراض والشكوى ومحاولة فرض رأيك فقط كن متعاونا لأقصى حد وتحمل المسؤولية

هنا يمكنك ان تتساءل لماذا أجهد نفسي كل هذا الجهد لتطوير نفسي في الوظيفة و سواء اجتهدت ام لا سأحصل على راتبي؟ ولماذا أيضا اهتم كل هذا الاهتمام بمؤسسة ليست ملكي؟

واحدة من الإجابات على هذه الأسئلة انك لابد ان تجتهد وتهتم لأن هذا هو العمل الذي رضيت به وانت مسؤول عنه, لكني لن أجيبك هكذا, لأن هذه الإجابة تحمل نوع من الإجبار

لكن الإجابة الصحيحة والتي تساعدك حقا في تطوير ذاتك, انك يجب ان تجتهد وتهتم لكي تحسن من القيمة التي تقدمها وتصبح أكثر خبرة في مجالك, وعندما ترتفع قيمتك سيؤدي هذا إلى شعور غامر بالسعادة والاكتفاء 

بعد فترة من عملك الجاد  سيرى الناس مصداقيتك و جديتك في العمل و ستكتسب سمعة ممتازة في مجال مؤسستك مما يؤهلك لمزيد من الترقيات او حتى الانتقال لمكان عمل افضل, وعندما تصل لتلك المرحلة عليك العمل بجد وتركيز أكبر للمحافظة على انجازك, إذن في النهاية الأمر كله يصب في مصلحتك

إذا كنت ممن يكرهون وظيفتهم الحالية ولا يجدون ذواتهم فيها, اسعى للحصول على وظيفة أفضل في مكان أفضل, إذا كانت تلك الوظيفة الجديدة التي ترغب بها تتطلب بعض الخبرات والشهادات التي يجب الحصول عليها, خذ بالسبب وابدأ في تجميع تلك الخبرات والشهادات وكن مثابرا وصبورا على نفسك ولا تتعجل وحاول بقدر الإمكان تهوين الأمر على نفسك واحتمال عملك الذي تكرهه حتى تصل بإذن الله

أما إذا كنت صاحب عمل, تمتلك شركة خاصة بك او تشارك إدارتها مع أحد او تقدم خدمة لشريحة معينة من العملاء, طور من عملك أيضا وخذ بكل الأسباب لتوسيع قاعدة عملائك والاهتمام برغباتهم 

ركز أكثر في تكبير شركتك وتنظيمها وتعيين أفضل الكفاءات في مؤسستك, اسعى لتكوين سمعة جيدة وعلامة تجارية موثوق بها في مجالك عن طريق تلبية كل متطلبات عملائك, وإذا كانت سمعتك جيدة بالفعل اعمل بجد أكثر للحفاظ على تلك السمعة وتنميتها

انظر ما هي الخدمات الإضافية التي يمكنك تقديمها لعملائك بالإضافة للخدمة الأساسية, الأمر يحتاج منك إلى البحث الجيد وفهم متطلبات عملائك جيدا

أما إذا كنت تقدم محتوى مجاني عن شيء تحبه او تفهم فيه جيدا, طور من معلوماتك باستمرار و اسعى كل يوم ان تقدم قيمة مضافة لمتابعينك و تطور من الطريقة التي تعرض بها محتواك لكي يكون اسهل على التلقي والفهم 

وثِّق مصادرك جيدا و شارك تجاربك بكل مصداقية وافهم احتياجات متابعينك, تكلم بلسانهم, اعرض مشكلاتهم وتكلم عن أفضل الحلول

 مهما كان عملك الآن او العمل الذي ستختار القيام به لا بد ان يكون هدفك الأساسي الذي يشغل كل تفكيرك “كيف أستطيع ان أقدم قيمة أكبر وأفضل؟”

كل قيمة تقدمها الآن ستعود عليك بالنفع إن عاجلا أو آجلا, لذا إن أردت كثيرا من الخير, عليك تقديم كثيرا من القيمة

“إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا” (الكهف 30)

👈للاشتراك في دروس تطوير الذات بالقرآن الكريم 👉

👈الاشتراك في قناة د. إبراهيم عبد الواحد👉

برجاء تقييمك للمقالة في قسم التعليقات👇

Comments

    1. Post
      Author

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *