تطوير الذات بالقرآن الكريم (12) – الأخذ بالأسباب

بعد قراءتك لهذا الدرس ستتعلم:

1/ ما المعنى الحقيقي للأخذ بالأسباب؟

2/ كيف تقوي شخصيتك؟

3/ المعنى الدقيق للتوكل على الله وعلاقته بالأخذ بالأسباب

4/ كيف تغير الطريقة التي تنظر بها للتحديات؟

5/ هل يكافئ الله على الذكاء ام على السعي؟

6/ كيف تتعامل مع النتائج السلبية وتستفيد منها؟

7/ ما الحكمة من وراء الأخذ بالأسباب؟

بسم الله نبدأ…

الأخذ بالأسباب هو بداية الطريق العملي لتطوير ذاتك وتحسين حياتك بالقرآن الكريم, لكن ما هو المعنى الحقيقي للأخذ بالأسباب؟

سأشرح لك المعنى بمثال عملي:

عندما تفكر في شيء تحبه وتتمنى من كل قلبك ان تحصل عليه, شيء طالما حلمت به, و دعوت الله ان يسهل لك السبيل للوصول إليه

في اول الأمر ستشعر بالحماسة والسعادة البالغة لمجرد التفكير في إمكانية حصولك على هذا الشيء وتحقيق هذه الأمنية الغالية

و في معظم الأحيان من فرط حماستك وحبك لهذا الشيء ستبدأ فعليا في أخذ خطوة عملية في سبيل الحصول عليه والمطالبة به, و ستجد ان تلك الخطوة التي أخذتها لم تأخذ منك مجهود كبير, لأنك أساسا في حالة من النشوة و الرغبة الخالصة في الوصول لمبتغاك 

لكن مع مرور الوقت وتتابع الأحداث التي تشتت انتباهك, و مع ظهور بعض التحديات الطبيعية التي تختبر صدق نيتك, تفتر حماستك و تشعر أن متابعة ما بدأته قد أصبح شاقا جدا عليك, و أن استمرارك أصبح عبئا ثقيلا, فيبدأ عقلك في الإتيان بكل الأسباب التي تحول بينك وبين تحقيق هدفك وتبدأ انت بالاقتناع بتلك العقبات الوهمية وتختار ان تجعلها واقعك, ثم تيأس تماما وتشعر بالهزيمة و باستحالة الوصول لما تريد

هذه الحالة مرت على كثير منا مرات عديدة لكن ما علاقتها بمعنى الأخذ بالأسباب؟

لفهم العلاقة دعنا نحلل ما حدث خطوة بخطوة 

أولا: أثناء حماستك الأولى لم ترى أي حائل بينك وبين مبتغاك, حتى لو ظننت أنه يوجد ما يحول بينك و بينه فستشعر انك قادر أن تتغلب على هذا الحائل بسهولة, و دفعتك تلك الحماسة وهذا اليقين لأخذ أول خطوة ممكنة و أول سبب متاح لك في سبيل الوصول لهدفك

و هنا نتعلم أن الأخذ بالأسباب شيء طبيعي و فطري ومنطقي للغاية, تعلمناه منذ الصغر, عندما نريد أي شيء ببساطة نطلبه و نسعى إليه دون تردد

نحن نعلم جيدا ماذا نريد ونعلم جيدا السبيل الموصل له, و تدفعنا رغبتنا القوية للفعل و السير في هذا السبيل للوصول للهدف 

لا تسمح لنفسك ان تتغافل عن أهمية الأخذ بالأسباب 

لا تسمح لنفسك ان تتكاسل عن الأخذ بالأسباب

لأن هذه هي الفطرة السليمة التي فطرنا الله عليها, فلا تتردد أبدا ولا تصدق كلام من يخبرك ان حياتك يمكن ان تتغير دون أن تأخذ بكل الأسباب المنطقية والمتاحة لك الآن والتي سوف يتيحها الله لك فيما بعد بإذن الله

ثانيا: بعد أخذك بأول سبب متاح و مع ظهور أول تحدي حقيقي تبدأ حماستك في الفتور وطاقتك في النضوب, تشعر بالتعب والخوف من الفشل وتبدأ في الإتيان بألف سبب وسبب يمنعك من تحقيق هدفك

في الدرس الثاني تعلمنا كيف نغير ما بأنفسنا, و أهم شيء لابد من تغييره هو الطريقة التي ننظر بها للأمور

ابدأ بتغيير الطريقة التي تنظر بها للتحديات التي تقابلك في رحلة حياتك, افهم ان تلك التحديات والعقبات مهمتها الوحيدة تقوية شخصيتك و اختبار صدق نيتك و حرصك على تحقيق ما تريد

وجود تلك التحديات شيء طبيعي لأن الحياة بيئة تنافسية, كل الناس يريدون النجاح والحب والسعادة والمال, لكن من يستحق فقط هو من لا يتراجع أبدا ويستمر في المحاولة حتى يصل

الله كريم و دلائل الكرم والوفرة ظاهرة بشدة في الكون, الله يتفضل على عباده في كل لحظة, وايضا الله عادل لذلك لا يجزل العطاء إلا لمن يستحق, وثمن هذا الاستحقاق هو الأخذ بالأسباب

عند تعرضك لعقبة او تحدي في طريقك, اسأل نفسك ماذا تعلمت؟

بالتأكيد الأمر ليس سهلا, لأن النفس البشرية أمارة بالسوء وعند تعرضها لأي صعوبة تميل إلى الانهزامية واليأس المبكر, لذلك الأمر يحتاج منك بعض قوة الشخصية والمثابرة وكما قلت لك لابد من تغيير نظرتك للأمور حتى تستطيع المواصلة 

كيف تحصل على تلك القوة؟ بالتوكل على الله 

التوكل على الله دواء سريع لأي انهزام او يأس او فتور قد يصيبك اثناء أخذك بالأسباب 

باختصار شديد التوكل على الله معناه الدقيق هو الأخذ بكل الأسباب التي في قدرتك الآن, وعندما يفتح الله لك أسباب جديدة بعد ذلك تأخذ بها أيضا وهكذا حتى تفرغ جعبتك تماما, عندئذ تسلم الأمر كاملا لله وتبرأ من حولك و قوتك إلى حول الله و قوته, و توطن نفسك على الرضا التام بكل ما يرتضيه لك الله

اثناء أخذك بالأسباب استعن بالله ولا تعجز, لا تفزعك ضخامة المجهود او طول الطريق الموصلة لهدفك, فقط ابدأ بأول سبب بسيط متاح لك الآن و ذكر نفسك أن الله معك وسوف يعينك بإذن الله 

قم بتيسير الأمر على نفسك أكثر بألا تفكر كثيرا في المشاكل التي تتعرض لها, لا تتعلق كثيرا بالسبب ولا بتلك الرغبة الوهمية أن يكون كل شيء على ما يرام, لأن التفكير الزائد عن الحد علامة واضحة لعدم الثقة بالنفس 

علق قلبك فقط بالمُسبب, اعلم ان الأسباب على الرغم من أهمية الأخذ بها إلا أن المنعم الحقيقي هو الله عز وجل

 لذلك لا تشغل بالك كثيرا بالسبب و تظن ان نجاحك في مسعاك متوقف على هذا السبب, فقط افعل ما عليك تجاه هذا السبب و أرح بالك

من السلوكيات الخاطئة أيضا ان تظن أنه لكي تصل لهدفك لابد ان تكون كل المفاتيح معك وان يكون كل شيء مثالي لكي تبدأ سعيك, هذا التفكير هو أول علامات الفشل

الأمور لن تصبح مثالية أبدا مهما حاولت, دائما ستكون هناك تحديات لكن من رحمة الله أنه لن يضع تحدي في طريقك إلا لعلمه انك تقدر بإذن الله على تخطيه

“فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا(5) إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا(6) (سورة الشرح)

بكل بساطة ابحث عن السبب او الاسباب المتاحة لك الآن ثم ابدأ بالسعي واترك الباقي لله, فقط افعل كل ما عليك

الله سبحانه وتعالى لا يجازيك على قدراتك و لا على مواهبك الفطرية و لا ذكائك, إنما يجازيك على سعيك, من يسعى أكثر و يتفنن أكثر في الأخذ بالأسباب ولا يتكاسل ابدا هو من يصل لهدفه أسرع و يفوز بالجزاء الوفير من الله

يمكنك أن تطرق على 99 باب ولا يكتب الله لك النجاح في كل تلك الأبواب, ويشاء الله ان الباب ال 100 هو الذي يفتح لك و بكل سهولة ويسر حتى من تلقاء نفسه 

والمفاجأة السارة ان وراء هذا الباب نتيجة سعيك على كل الأبواب السابقة مجتمعة

كأن الله يكافئك على صبرك ويخبرك أنه كان يراك ويسمعك ويعلم جيدا انك اجتهدت وأخذت بكل ما تستطيع وواصلت السير على الرغم من كل الصعوبات لذلك يجزل الله لك العطاء الوفير

لذلك لا تتعجب إن رأيت أحدا فتح الله عليه الرزق من كل مكان في نفس الوقت, اعلم تماما ان هذا الشخص حاول مئات المرات وأخذ بكل الأسباب ولم ييأس أبدا حتى حان الوقت الذي أراده الله لكي يكافئه فأعطاه و رزقه من حيث لا يحتسب

وهذا أمر ليس بالجديد, لأن في حياة كل منا تجارب كثيرة فقدنا فيها الأمل ثم من حيث لا ندري فتح الله لنا فتحا مبينا

لكننا للأسف ننسى 

و من هنا نتعلم أن الفارق ليس كم فكرت او خططت للوصول لهدفك, الفارق الحقيقي هو كم سعيت وكم سبب أخذت وكم من الوقت صبرت في سبيل تحقيق ما تريد

في رحلة أخذك بالأسباب تأكد انك ستمر بكثير من التحديات التي تختبر صدق نيتك و لكي تعطيك دروس تستفيد منها في تحقيق احلامك بإذن الله 

لا تخف من التجربة و الخطأ, ولا تظن أبدا أنه يمكن أن يكتب لك النجاح دون ان ترتكب كثير من الأخطاء و ليس هناك أي إنسان أكبر من أن يخطئ, تشجع وخذ بأول سبب متاح و خض التجربة ثم قيم النتائج التي تحصل عليها 

ستحصل على أشياء إيجابية و أخرى سلبية, هذا شيء متوقع وطبيعي جدا

الآن انظر كيف يمكنك ان تستفيد من الجانب الإيجابي في التجربة القادمة, وانظر ماذا تعلمت من الجانب السلبي لكي تتجنب حدوثه مرة أخرى 

ثم قم بتجربة جديدة مستعينا بالمعلومات الثمينة التي تعلمتها من التجربة الأولى وهكذا, لا تتوقف أبدا عن الأخذ بالأسباب, الفعل, تقييم النتائج, ثم الفعل مرة أخرى

بعد فترة من الزمن ستجد انك اكتسبت معرفة قيمة للغاية ستفيدك حتما في الوصول لما تريد, السر هنا هو ألا تتوقف أبدا 

الاستمرار بالتأكيد ليس سهلا خصوصا مع حصولك على بعض النتائج السلبية التي لن ترضيك, لكن مهمتك هنا ان تركز على الايجابي فقط و تبني عليه

و بالنسبة للسلبي عليك بالتعلم منه لتجنب حدوثه مرة أخرى, و تمتع بالمرونة الكافية لكي تتقبله لأنه جزء أساسي و مهم من أي تجربة

استعن بالله ولا تعجز, تحلى بالصبر وحسن الظن بالله, و إياك ان تتوقف عن المحاولة أبدا

الحالة الوحيدة التي يمكنك فيها التوقف قليلا عن المحاولة والفعل هي للراحة وتقييم تجربتك والتحضير للتجربة التالية, لكن عليك دائما النهوض والاستمرار

انت الآن تتمتع بنور القرآن الذي تحفظه و تتدبر آياته وبالتأكيد سيكون لك عونا في رحلتك

و كما أسلفنا فإن الله يكافئ على السعي سواء أصبت في سعيك أم لم تصب, لأنه كما قلنا أيضا ان الله هو صاحب قرار التغيير الذي سيحدث لك

إذا لم تحقق احلامك بعد, او حتى ان كنت لا تعلم ما هو حلمك, اعلم انك تفكير أكثر بكثير مما تعمل, لأن العمل هو السبيل الوحيد لتحقيق احلامك و هو السبيل الوحيد لكي تعرف ما هو حلمك 

لكي تفهم الحكمة من وراء الأخذ بالأسباب ولماذا ينبغي عليك الأخذ بكل الأسباب الممكنة في سبيل تحقيق أهدافك دعني أخبرك تدبر آية من أجمل آيات القرآن الكريم

الآية رقم 25 من سورة مريم: 

“وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا”

كلنا نعلم قصة ولادة سيدنا عيسى عليه السلام تحت النخلة, و أمر الله سيدتنا مريم عليها السلام ان تهز جذع النخلة لكي يسقط عليها الرطب وتأكل بعد مجهود الولادة

الآن تأمل معي, ما الحكمة من هذا الأمر؟ لماذا تهز جذع النخلة والله قادر على ان ينزل عليها الرطب دون قيام سيدتنا مريم بأي مجهود؟ يرسل الريح فتحرك النخلة و يتساقط التمر مثلا

و هل تقدر امرأة في مرحلة النفاس ان تهز جذع نخلة عالية؟ وهذا أمر يصعب حتى على أقوى الرجال

وهل أساسا يمكن ان ينزل الرطب بمجرد هز الجذع؟ هذا احتمال واهٍ

لماذا كان عليها ان تأخذ بالسبب المباشر مع ان هذا السبب المباشر احتمال نجاحه ضعيف جدا؟ و على الرغم من هذا فقد أمرها الله أن تأخذ بالسبب وتهز الجذع لكي تصل لهدفها و هو تساقط الرطب و قد كان لها ما أرادت بفضل الله 

هنا يعلمنا الله عز وجل أنه لكي تصل لهدفك وتحقق رغبتك عليك بالسعي و الأخذ بالأسباب مهما كنت ضعيفا ومهما كان احتمال نجاح هذا السبب واهيا, لأنك لا تتوكل على السبب, انت تتوكل على المسبب 

ويعلمنا الله أنه لا حلاوة للنجاح دون السعي ولكي تصل لما تريد لابد ان توجد صلة بينك وبين ما تريد, وهذه الصلة هي السبب سواء أكان سببا مباشرا ام غير مباشر, لأن الله خلق الكون وخلق له قوانين صارمة منضبطة منذ بدء الخليقة, و يريدك ان تتأمل و تفهم تلك القوانين وتأخذ بها

الله كريم يرزق من يشاء بغير حساب, والله أيضا عدل يعطي من اجتهد و أخذ بكل الأسباب حتى لو لم يكن مؤمنا

الله سبحانه وتعالى قادر ان يعطيك ما تريد الآن بكلمة كن, لكن الله يريدك ان تشعر بحلاوة وقيمة تحقيق هدفك بعد السعي و ليس قبله 

الله يريد ان يلفت نظرك إلى طلاقة قدرته فأحيانا يكتب لك النجاح بسبب ضعيف جدا, ولا يكتب لك النجاح بسبب آخر قوي 

فلابد ان تضع الله أمامك دائما اثناء سعيك و أخذك بالأسباب وتفهم انك تأخذ بالسبب و تتوكل على الله وليس على السبب

كلما تأخذ بالأسباب ستجد ان الله يضع في طريقك أسباب أخرى وهذا من علامات النجاح وأنك تسير على الطريق الصحيح بإذن الله

لا تفكر كثيرا, ولا تضيع وقتك في البحث والتحليل واستشارة من لا يملكون أي خبرة او دراية 

حدد ماذا تريد, حدد ما هي الأسباب الموصلة لما تريد, حدد السبب المتاح لك الآن, ثم اسعى في الأخذ به و توكل على الله.

👈للاشتراك في دروس تطوير الذات بالقرآن الكريم 👉

👈الاشتراك في قناة د. إبراهيم عبد الواحد👉

برجاء تقييمك للمقالة في قسم التعليقات👇

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *