ولكنكم فتنتم أنفسكم

“يُنَادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُن مَّعَكُمْ ۖ قَالُوا بَلَىٰ وَلَٰكِنَّكُمْ فَتَنتُمْ أَنفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ وَغَرَّتْكُمُ الْأَمَانِيُّ حَتَّىٰ جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ وَغَرَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ”

الحديد (14)

هل سألت نفسك من قبل لماذا انت متمسك بشدة ببعض الأشياء دون غيرها؟

ولماذا كلما حاولت الاقلاع عنها او تركها تعود إليها مهما كنت قوي الإرادة؟

بعضنا متمسك للغاية بعلاقات عاطفية زائلة وهو يعلم تمام العلم أنها فعلا انتهت ولا طائل من ورائها ولكنه لا يستطيع التحكم في نفسه, هو ببساطة لا يستطيع

البعض الآخر متمسك جدا بمنصب او درجة مهنية ما ولا يستطيع تخيل نفسه من دونها ويصل لدرجة اهانة نفسه والتخلي عن كل مبادئه من أجلها

والبعض متمسك بالماضي بدرجة قد تصل لحد المرض ولا يستطيع تقبل أن الماضي انتهى للأبد ولن يعود ويمنعه هذا التمسك من مواصلة حياته ويحرمه من خير كثير قادم

والقائمة تطول وكل منا يعرف بالتحديد ماهي نقطة ضعفه, وماهو الشئ الذي لا يستطيع التحكم في نفسه تجاهه

ولكن هل استوقفت نفسك مرة وتسائلت لماذا انا متعلق للغاية بهذا الشيء بالتحديد؟

الاجابة على الرغم من بساطتها لكنها عسيرة قليلا على الفهم

انت متعلق بدرجة مَرضية بهذا الشيء لأنك انت من خلقته في مخيلتك وخلقت حبك له واعطيته اكبر قدر من انتباهك الذهني والمشاعري فهو بالنسبة لك جزء منك

بالمعنى القرآني البليغ… لقد فتنت نفسك فتوناً

تذكر معي أول معرفتك بذلك الشيء, هل كنت تراه بهذه الروعة في البداية؟ هل كنت متعلق به بنفس الدرجة, ام ان الأمر تدريجيا بدأ يستحوذ عليك حتى صرت مهووسا به؟

99.9% من الحالات تكون بداية معرفتك او تفاعلك مع هذا الشيء تفاعل عادي جدا وطبيعي, شيء جميل او رغبة جميلة ظهرت أمامك, فأعجبت بها, ثم ذهب هذا الشيء او تلك الرغبة لحالها, ولكنك انت من ظللت متمسك بها داخل عقلك ولم تتركها ابدا ولم تتوقف عن اعادة صورتها في مخيلتك مئات المرات حتى صار مجرد التفكير فيها متعة وادمان في حد ذاته

ثم بدأت تشعر ان الحياة من دونها لا تستحق ولابد لهذه الرغبة ان تتحقق وان تكون تحت أمرك في أي وقت, وأن هذا هو السبيل الأوحد لسعادتك

ثم بذلت كل مافي طاقتك وعرضت نفسك لكل انواع الذل والتهافت, حتى فقدت احترامك لنفسك من أجلها, والمفارقة انك تعلم تمام العلم أنها لا تستحق كل هذا المجهود, ولكنك فقط  تريدها ولا تستطيع تركها

مجددا… لقد فتنت نفسك فتوناً

انت من استمر وثابر على تلك الافكار, انت من أشعلت نار مخيلتك والهبت احاسيسك, انت صرت عبدا لأفكارك الخاصة التي خلقتها والتي لا تستند لشيء واقعي وإنما مصدرها الوحيد هو خيالك النشيط

إذن ليس من الغريب ابدا ان تعلم انك انت الذي قيدت نفسك بنفسك, بتفكيرك المستمر في هذا الشيء, برغبتك الطفولية في التحكم به وتملكه

اعلم ان الأشياء تأتي لك من تلقاء نفسها إذا كان مقدراً لها انت تأتي, وان لم يكن, فلن تأتي ابدا مهما حاولت وبذلت الغالي والنفيس من اجلها

مهمتك فقط تتلخص في السعي المشروع والمجتهد في تحصيل ما تريده, ولكن احذر كل الحذر ان يتحول هذا السعي الى هوس او رغبة محمومة تفسد عليك ما تمتلكه الآن بالفعل

راقب افكارك واعلم انك المسؤول عن توليدها والاصرار عليها والتفكير بها مرة بعد اخرى, راقب مشاعرك واعلم انك انت من تريد الشعور الدائم بتلك المشاعر ولا تريد ان تتخلى عنها وتشعر بأي شيء جديد

لا تغرك الأماني, ولا تسمح لنفسك بتزيين الوهم لك على اساس أنه حقيقة لابد من الحصول عليها, لأن الحقيقة الوحيدة فقط هي ان الأشياء لا تتشكل في الواقع إلا بعد ما تتشكل داخلك اولا, ولا تتشكل داخلك إلا اذا اعطيتها انت اهمية وانتباه

واعلم ان افتتانك بالشيء هو اقرار منك بسطوة هذ الشيء عليك, واعلم ان افتتانك بالشيء ماهو إلا قرار انت اخذته ويمكنك التراجع عنه في أي وقت اذا فقط حوَّلت انتباهك عنه, وقررت ان تفكر في شيء أخر أكثر اهمية.

👈للاشتراك في دروس تطوير الذات بالقرآن الكريم 👉

👈الاشتراك في قناة د. إبراهيم عبد الواحد👉

برجاء تقييمك للمقالة في قسم التعليقات👇

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *