كيف تحب نفسك بذكريات الطفولة؟

وقت القراءة: 7 دقائق

هل تذكر نفسك عندما كنت طفلا؟ عندما كان كل شيء سهل وكل ما يهمك هو اللعب وقضاء وقت ممتع مع اخواتك او اصدقائك الذين في مثل سنك

عندما كنت متصالحا للغاية مع نفسك ومتقبلا لنفسك تماما ولا يخطر على بالك أي فكرة سلبية

هل تتذكر كيف كان شعورك؟ كنت ممتلئ بالطاقة والحيوية والإيجابية, لا يمكن أن يحزنك او يزعجك أي شيء لأكثر من خمس دقائق وكنت بعدها تعود للعب كأن شيئا لم يكن 

هل تتذكر عندما كان عقلك فارغا تماما (وليس بالمعنى السلبي) من أي هموم ومسؤوليات او قلق؟ و كل ما تفكر فيه هو كيف تقضي أمتع وقت ممكن 

عندما كنت تريد أي شيء كنت تذهب وتأخذه بدون تفكير ولا تردد 

عندما كنت تذهب عميقا في النوم في اللحظة التي تضع فيها رأسك على الوسادة 

عندما كانت كل أحلامك سعيدة و رغباتك أوامر  

عندما كنت تشعر بقمة الإثارة والترقب إذا علمت أنك ستذهب مع أبيك أو أمك للتنزه أو إلى مدينة الألعاب, عندما كان لا يسعك العالم من فرط فرحتك وسعادتك عندما يشتري لك أحد لعبة جديدة تحبها 

عندما كنت لا تخاف أن تعبر عما بداخلك, لا تخاف أن تغضب او تصرخ أو تبكي 

عندما كنت لا تهاب أن تجرب وتتعلم أشياء جديدة ولا تخاف من التغيير

عندما كنت تؤمن تماما أن الأحلام تتحقق وأن كل دعواتك تستجاب

عندما كنت لا تتعلق بأي شيء وكنت في الحقيقة (حرا) 

عندما كنت تحب أن يصبح كل الناس أصدقائك بدلا من أعدائك

عندما كنت تمتلك حبا عميقا للحياة 

عندما كنت مثابرا ولا تخاف من الرفض, وعندما تريد شيء كنت تطلبه مرة بعد مرة حتى تأخذه

عندما كنت تمتليء بالحنان والرقة وكنت لا تخشى أن تقول (أنا أحبك) لأي شخص تحبه فعلا 

كلنا نحب أن نكون حول الأطفال ونشعر بالحنان نحوهم لأنهم يذكروننا بأنفسنا عندما كانت الحياة وردية

هل تتذكر سنوات مراهقتك الأولى عندما كانت لك شخصية مميزة ورائعة ومليئة بالتحدي وكنت تمتلك أحلام كبيرة تريد تحقيقها عندما تكبر؟ 

كنت مؤمنا جدا بنفسك و بقدراتك وإمكانياتك الكبيرة وتعلم جيدا أنك تستحق كل الخير والنجاح وأن الأيام والسنوات القادمة بالتأكيد سوف تكون ما تريد أن تكونه وتمتلك كل ما تريد امتلاكه

إذن ماذا حدث لك الآن؟ كيف تبدلت أحوالك بهذه الطريقة؟ 

لماذا نسيت او تناسيت أصلك العظيم هذا و بدأت شيئا فشيئا تتخلى عن جوهرك السامي

لماذا الآن لا تثق في نفسك ولا تثق في قدراتك؟ 

لماذا الآن تظن انك غير كفء وقليل ولا تستطيع؟

لماذا تخليت عن أحلامك؟ هل أصبحت تظن أنها أحلام غير منطقية أم تظن أنه لا يمكن أن تتحقق فعلا؟ 

لماذا أصبحت لا تثق في قدرة الله عز وجل بأنه قادر أن يغير أحوالك لأفضل حال في طرفة عين؟

لماذا أصبحت تخاف من كل شيء؟ لماذا سيطرت عليك المخاوف والهموم وتكاثرت عليك الظنون 

لماذا أصبح عقلك لا يتوقف أبدا ولا تستطيع انت ايقافه مهما حاولت؟

لماذا تعاظمت عليك المسؤوليات وأصبحت لا تجد أي وقت للمتعة او للراحة؟

لماذا ترضى وتقبل أن يستمر شيء سلبي لا تحبه في حياتك؟ 

لماذا أصبحت في صراع دائم مع نفسك ولا تستطيع أن تتقبل نفسك؟ 

هل تعلم إجابة شافية عن هذا السؤال المصيري؟ 

(ماذا حدث لي؟) 

سأقول لك ماذا حدث بالتفصيل, لكن أول أريدك أن تجلس قليلا مع نفسك وتتأمل في حياتك منذ بدايتها وحتى هذه اللحظة

تأكد أن جلستك مع نفسك ستجعلك تفتح كل الملفات المغلقة التي تجاهلتها من سنين طويلة ولقد آن الأوان كي تعيد النظر إليها 

باختصار شديد, الذي حدث لك هو (الخوف والرفض والتفكير الزائد)! 

عندما كنت لا تزال طفلا صغيرا او شابا يافعا, كان عقلك نشيطا للغاية لكنه في نفس الوقت مطمئنا واثق لا يخشى شيء

كنت تعيش كما يحلو لك ولا تعرف حدودا 

لكن مع نموك وتقدمك في السن, تعرضت لبعض التجارب السلبية والتي تركت أثرها على روحك وأصبحت تخاف للغاية من تكرار تلك التجارب

عندما سمحت للخوف أن يتسلل لعقلك أصبحت الآن تعرف معنى الحدود لأول مرة في حياتك, فأصبحت تخاف أن تطلق لنفسك العنان كما كنت في السابق خشية أن تتعرض لتجربة سلبية أخرى تجعلك تشعر بمشاعر سلبية جديدة

ومع استمرار احساسك بالخوف, وبطريقة غير واعية أصبحت لا تحب ولا تريد أن تشعر هذا الشعور مرة أخرى, فظللت ترفضه مرة بعد مرة حتى صار الرفض والمقاومة وعدم التقبل طبيعة ثانية لك 

وعندما تعتاد على رفض نفسك ورفض واقعك, سينطلق عقلك بأقصى قوته ويأتيك بأسباب إضافية ومعتقدات تجعلك ترفض نفسك وتكره حياتك أكثر

إذا كنت ممن لا يستطيعون التوقف عن التفكير في كل شيء وأي شيء, اعلم أنك رافض جدا لنفسك ولا تتقبل حياتك كما هي وتريد تغييرها, لذلك بطريقة غير واعية تنساق للتفكير الزائد ظنا منك أن كثرة التكفير سوف تعطيك الحل

وفي الحقيقة هذا الحل وهمي, و في كل مرة يخدعك عقلك بأنك أخيرا وجدت الحل لجميع مشاكلك, اعلم ان هذا وهم, لأن الحل الحقيقي والوحيد هو أن تعترف لنفسك أنك رافض لنفسك من الأساس وتبدأ في حب نفسك مرة أخرى بأن تتقبل نفسك وحياتك كما هي  

في الحقيقة أيضا والذي لا تعلمه, هو ان في كل مرة ترفض فيها شعور ما, انت في الحقيقة ترفض نفسك, وترسل رسالة غير واعية لعقلك أنك في صراع مع ذاتك

وللأسف الشديد عندما ترفض ذاتك ولا تشعر بالراحة مع نفسك فأنت بذلك تكره نفسك وتخبرها مرة بعد أخرى أنك لا تتقبلها ولا تريدها 

فتبدأ أيضا بطريقة غير واعية اللجوء لأساليب تجعلك تهرب من واقعك لبعض الوقت مثل مشاهدة التلفاز لساعات طويلة او الجلوس على مواقع التواصل الاجتماعي لأكثر بكثير مما تحتاج, وللأسف بعض الناس يلجأون للمخدرات او العادات السيئة التي تعطيهم بعض المتع الوهمية

انت تريد أن تنسى, تريد أن تعيش حياة أخرى في جسد آخر وذلك يعمق الشرخ الموجود بينك وبين نفسك ويزيد من معاناتك

وبعد كل هذا تصبح بشكل او بآخر هذه هي كل حياتك, الخوف من المشاعر, ثم رفض هذه المشاعر, ثم التفكير الزائد الذي يعطيك حلولا وهمية للخروج من الإحساس بتلك المشاعر, ثم خسائر جديدة ومشاعر سلبية جديدة, ثم خوف ورفض لهذه المشاعر السلبية الجديدة وهكذا

دائرة مغلقة أساسها عدم حب الذات ونتيجتها واقع مؤلم 

إذن كيف تدمر تلك الدائرة؟ كيف تعالج كل شيء من الأساس؟

كيف تعود لطبيعتك عندما كنت طفلا تملؤك الإيجابية؟ 

البداية هي أن تتذكر أصلك الأول, تتذكر طبيعتك الأولى التي كنت عليها وتتذكر كم كنت رائعا

استعيد ذكريات الطفولة السعيدة, كيف كنت تفكر؟ كيف كنت تتعامل مع كل الأشياء من حولك؟ 

ثانيا, ابدأ بتقبل حياتك كما هي, والرضى عن نفسك كما هي, لا تحاول تعديلها او تغييرها, توقف عن الشكوى والتذمر من نفسك ومن حياتك, لا تشتكي حتى لنفسك

لا أقول لك أن تخدع نفسك وتوهم نفسك أن كل شيء مثالي, كل ما أطلبه منك أن تتحلى ببعض الرضى عن نفسك وحياتك وأن تكف عن الرفض 

ثالثا, تحكم في عقلك حتى لا تصاب بمزيد من التفكير الزائد, التحكم في العقل يأتي من الانغماس التام فيما تعمل, كلما سرح عقلك في الماضي أو المستقبل اجعله برفق يأتي مرة أخرى للحاضر, ركز تماما فيما تفعله الآن واشغل وقتك لمزيد من الأفعال والأنشطة الإيجابية

رابعا, لا تخاف من مشاعرك, امتلك الشجاعة الكافية للتعبير عما بداخلك دون خوف أو تردد, لا تهرب أبدا مما تشعر, بل واجه واعترف لنفسك بكل ما تشعر به, بالتأكيد لن تمتلك تلك الشجاعة الكبيرة في يوم وليلة, لكن فقط ابدأ وستجد نفسك شيئا فشيئا أكثر تقبلا لنفسك ولواقعك 

خامسا والأهم, تأمل معي هذه الآية الكريمة من سورة الحديد:

“مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا ۚ إِنَّ ذَٰلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ” (الحديد – 22)

عندما تعلم أن كل شيء مضى في حياتك هو من أمر الله وتدبيره, ستريح نفسك تماما من أي هم أو غم او تفكير زائد 

لذلك لا تقلق نفسك بما حدث وصار, اعلم أن كل شيء كان له سبب وحكمة لا تعلمها الآن وأنك بالتأكيد ستعلمها فيما بعد عندما يكرمك الله ويعطيك كل ما تحب وحينها ستتأكد أن ما حدث كان لابد أن يحدث 

اقرأ الآية الكريمة وكررها كثيرا حتى تتشرب معناها تماما وتؤمن به حقا في قلبك, كل ما حدث كان له حكمة لذلك لا تشغل بالك به وركز تماما في حياتك كما هي الآن, اسعى لتطوير ذاتك وتحسين حياتك بكل ما تستطيع, تدبر مزيد من آيات القرآن واستفد منها في تطوير ذاتك وتحسين حياتك 

حياتك كما هي الآن عبارة عن خيارات اخترتها سابقا, فإذا أردت حياة جديدة, ابدأ في اختيار خيارات جديدة أكثر صحة واستفد من تجاربك وخبراتك

لكن في كل الأحوال, عليك أن ترضى بشكل حياتك كما هي الآن ولا ترفضها ولا تخاف مما صنعت يداك, لأنك حين تتقبل حياتك وترضى بها, انت بذلك تحب وترضى عن نفسك

تذكر طفولتك, اسعد نفسك الآن, ولا تفكر كثيرا. 

للاشتراك في دورة تطوير الذات بالقرآن الكريم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *