قصتي مع قراءة سورة البقرة يوميا: طهارة القلب من النفاق والعيش بتقوى الله

بسم الله والصلاة والسلاة على سيدنا محمد رسول الله, لازلنا مع تدبر آيات سورة البقرة, نستخلص منها المعاني والدروس لنتدبرها ونعمل بها في حياتنا.

ولازلنا مع صفات المنافقين…

كيف تكشف دعاة الفسق والفجور المستترين بثوب التجديد في الدين؟

وَإِذَا قِيلَ لَهُمۡ لَا تُفۡسِدُواْ فِي ٱلۡأَرۡضِ قَالُوٓاْ إِنَّمَا نَحۡنُ مُصۡلِحُونَ (11)

في زمننا الحالي الكثير من دعاة التحرر, والتشبه بالأمم الأخرى, او من يدافعون عن أفكار هدامة للمجتمع وللفرد المسلم السوي, او يدعون الى أخلاق ومعاملات لا تناسب اطلاقا المجتمع المسلم الهادئ, متحججين بالسعي وراء التجديد والتطور والتمدن وما الى ذلك من شعارات رنانة, في ظاهرها حق لكن يراد بها الباطل.

لا تفهم من كلامي أن التجديد والتطوير مرفوض, بالطبع لابد أن يتواكب الفكر والاجتهاد بما يتناسب مع متطلبات العصر لكي لا ينفصل الفرد والمدتمع عن الدين, وهذه المحاولة مني في تدبر وعمل جديد بالقرآن الكريم هي دعوة ورغبة في التجديد والتطوير ايضا كما ذكرت من قبل.

لكن الشيء المرفوض هو انعدام الهوية الاسلامية والتنصل من الانتساب الى الثقافة العربية, بدعوى أننا نعيش في مجتمع متخلف يسير على افكار قديمة عفا عليها الزمن, لكن الحقيقة أنك لكي تتطور وتزدهر لابد أن تفتخر بجذورك وتحتفظ على هويتك, تحاول تطويرها نعم, لكن مع الحفاظ على الأسس الثابتة التي تحفظ لك وجودك بين الأمم.

إذا وجدت في نفسك ميل إلى التجديد والتطوير من نفسك ومجتمعك, اشجعك على هذا وفقك الله, لكن احرص كل الحرص ألا تهدم في الثوابت او تقوم بتغيير ثوري لا يتقبله الناس ولا يفهموه, ولا تقوم بالتجديد والتطوير إلا وانت فخور بجذورك وأصولك العريقة لدينك ومجتمعك.

وأيضا راجع نفسك دائما وتواصل مع أهل العلم واستشير اكثر من شخصب, لكي لا ترتكب اخطاء يمكن أن تعود بالسلب عليك وعلى من يأخذ منك هذا التجديد والتطوير, وتأكد أن هذا التجديد مناسب لروح العصر وقابل للتطبيق ولا يتعارض مع هويتك لكي لا تكون أَلَآ إِنَّهُمۡ هُمُ ٱلۡمُفۡسِدُونَ وَلَٰكِن لَّا يَشۡعُرُونَ (12)

فاللهم اكفنا واكف مجتمعاتنا الاسلامية شر اولئك المنافقين المفسدين…

هل يمكن أن يحتقر المؤمن أخيه المؤمن ويتهمه بالسفه؟

من صفات المنافقين الواضحة, أنهم يحتقرون كل من خالفهم في الفكر او الفعل, حتى يحتقرون من يعرف عنهم الصلاح والتقوى ويحاولوا بشتى الطرق التقليل من شأنهم والتسفيه من عقولهم, إذا رأيت من يفعل هذا فاعلم تماما العلم أنه منافق ولا تأخذ منه دينك أبدا ولا حتى تأخذ منه أي أخلاق في التعامل

وَإِذَا قِيلَ لَهُمۡ ءَامِنُواْ كَمَآ ءَامَنَ ٱلنَّاسُ قَالُوٓاْ أَنُؤۡمِنُ كَمَآ ءَامَنَ ٱلسُّفَهَآءُۗ أَلَآ إِنَّهُمۡ هُمُ ٱلسُّفَهَآءُ وَلَٰكِن لَّا يَعۡلَمُونَ (13)

المؤمن الحقيقي, حتى وإن خالفته الرأي او المسلك, فلا يحقرك ولا يقلل من شأنك أبدا, إنما يختلف معك بكل احترام, لا ينافقك ويقول أمامك فيك شعرا ومن وراء ظهرك يأكل في لحمك, وللأسف هؤلاء كثر.

لماذا أسهب الله في ذكر صفات المنافقين في سورة البقرة؟

نلاحظ في هذه الآيات عن المنافقين أن الله أسهب في ذكر صفاتهم, في ثلاثة عشر آية, بالرغم أنه وصف الكافرين في آيتين فقط, والمؤمنين وصفهم في أول السورة بأربع آيات, من ذلك نفهم أن الاطناب في توضيح صفات المنافقين إنما كان لخطرهم الشديد على الفرد والأمة, ببساطة لانهم يستترون خلف أقنعة كثيرة مثل قناع التدين, او التجديد والتطوير مثلما ذكرنا, فكان التعرف عليهم يصعب على كثير من الناس.

لماذا المنافق أشد خطرا على الأمة من الكافر؟

المنافقين أشد خطرا عليك من الكافرين, لأن الكافر حتى وإن كان على باطل لكنه واضح ويقول ما في نفسه, فتستطيع أن تحذر منه, لكن المنافق يظهر خلاف ما يبطن, فيمكن أن يخدعك فعلا فتأمنه ثم تكون غدرته قاتلة.

فحاول على أقصى قدر استطاعتك, أن تكون واضحا في أفكارك وأفعالك, وتقول وتظهر كيفما تشعر في داخلك تماما لكي لا تكون من المنافقين, اختلف مع الناس هذا حقك أن يكون لك فكر وإدراك وآراء خاصة بك, لكن لا ينبغي عليك أبدا أن تظهر غير ما تبطن إلا في حالة الخوف على نفسك.

كن واضحا مع نفسك وصادقا وقل ما تشعر وتفكر به, لكن احرص أن تراجع نفسك وتتأكد أنك على حق, ولا تخاف أبدا من رأي الناس فيك ما دمت تقول ما في نفسك بكل صدق وتحترم حق الأخرين أن يختلفوا معك.

غير حياتك بنور القرآن واشترك في التدريب الشخصي لتحصل على منهج عملي يساعدك على تغيير حياتك للأفضل مستخلص من القرآن ومناسب لحالتك وشخصيتك انت بالذات

ما أسهل طريقة تستطيع من خلالها كشف المنافق؟

وَإِذَا لَقُواْ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ قَالُوٓاْ ءَامَنَّا وَإِذَا خَلَوۡاْ إِلَىٰ شَيَٰطِينِهِمۡ قَالُوٓاْ إِنَّا مَعَكُمۡ إِنَّمَا نَحۡنُ مُسۡتَهۡزِءُونَ (14) 

عندما يعاملك شخص بشكل جيد ومحترم ويظهر لك المودة من أمامك, ثم بمجرد خروجك من المكان يبدأ في غيبتك ويقول عليك ما تكرهه, بل ويضمر لك الضغينة والحقد ويقلب قلوب الناس عليك, هذا الشخص هو المنافق بعينه, احذره ولا تتعامل معه اطلاقا اذا استطعت, تجنبه تماما ولا تعطيه سرك, واحذر كل الحذر أن تكون انت هذا الشخص, وتتكلم على غيرك وتغتابهم وتقول فيهم ما يكرهون من وراء ظهورهم فيجعل الله كيدك في نحرك ويوكلك الله الى نفسك تزيدك طغيانا ونفاقا وبعدا عن الحق ٱللَّهُ يَسۡتَهۡزِئُ بِهِمۡ وَيَمُدُّهُمۡ فِي طُغۡيَٰنِهِمۡ يَعۡمَهُونَ (15)

أُوْلَٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ ٱشۡتَرَوُاْ ٱلضَّلَٰلَةَ بِٱلۡهُدَىٰ فَمَا رَبِحَت تِّجَٰرَتُهُمۡ وَمَا كَانُواْ مُهۡتَدِينَ (16)

لا تتبع هواك, ولا تطلق لسانك ليخوض في اعراض الناس لتكون ممن اتبعوا هواهم وتركوا أوامر الله, وفرطوا في الهداية من أجل الضلال واللذات الرخيصة, اعلم أن النفاق يحبط عملك مهما عملت من حسنات, لا تكن تاجرا فاشلا, احفظ لسانك وإذا ظلمك انسان وقال ما ليس فيك, افضل سبيل هو المواجهة, فإن لم تستطع فالاجتناب وتسليم أمرك لله, لكن لا ترد الاساءة بالاساءة وإلا صرت مثله.

كيف تدعوك سورة البقرة للثبات على الحق وعدم العودة لاتباع الأهواء؟

في الآية القادمة تشبيه جميل للمنافقين, ونحن هنا لن نتكلم عن المنافقين بمعناهم الكلاسيكي, الذي يبطنون الكفر ويظهرون الإيمان, لكن سنتكلم عن النفاق بمعناه الأوسع والمناسب أكثر لزمننا الحالي, وهم تلك الفئة من الناس أصحاب الوجهين, الذين يظهرون التدين الشديد والتشدد في أمور وأحكام الدين, لكن عندما لا يراهم أحد يرتكبون الكثير من المعاصي والكبائر التي تخر لها الجبال من فظاعتها.

أم من يلتفون حولك عندما تكون ناجحا وسعيدا وعندك الكثير من النعم والخيرات, لكن يتركوك وحيدا بل ويتعمدون أذيتك عندما تسقط أو يمسك بعض الضيق, بل وأغلب الظن أنهم هم السبب في حدوث هذه الضيقة لك, بحسدهم وحقدهم عليك وكرههم أن يروك في نعمة.

مَثَلُهُمۡ كَمَثَلِ ٱلَّذِي ٱسۡتَوۡقَدَ نَارٗا فَلَمَّآ أَضَآءَتۡ مَا حَوۡلَهُۥ ذَهَبَ ٱللَّهُ بِنُورِهِمۡ وَتَرَكَهُمۡ فِي ظُلُمَٰتٖ لَّا يُبۡصِرُونَ (17)

يشبه الله هؤلاء المنافقين بأنهم كالذي أنعم الله عليه بالإيمان والبركة والهدي, ثم تركوا هذا النور وذهبوا بكامل قواهم العقلية الى الضلال واتباع الهوى والظلام مرة أخرى.

فاحذر أن تكون ممن يعودون الى الضلال واتباع الهوى والنفاق بعدما أنعم الله عليك بالهدى والتقوى والنور, لا تكون مثل هؤلاء المنافقين واشكر نعم الله عليك, وقل اللهم اجعل في قلبي نورا, وفي سمعي نورا, وفي بصري نورا.

 صُمُّۢ بُكۡمٌ عُمۡيٞ فَهُمۡ لَا يَرۡجِعُونَ (18)

يصفهم الله بالذين لا يسمعون الخير والحق, صمت آذانهم وأغلقت أعينهم عن رؤية الحق, وامتنعت ألسنتهم عن النطق بالحق, فهم لا يتبعون إلا مصالحهم الشخصية ومكاسبهم الحالية ولا يفكرون أبعد من ذلك, لذلك كان رجوعهم الى الحق والهدى شبه مستحيل, لأنهم ابتعدوا عن الخير والحق بكامل وعيهم وإرادتهم.

تدبر هذه الآية جيدا, واحذر أن تبتعد عن منهج الله للدرجة التي يصبح رجوعك لله شبه مستحيل, احرص على التوبة والاستغفار باستمرار, واسأل أهل العلم واستشيرهم في جميع أمورك حتى تتأكد أنك تسير على الطريق الصحيح الذي يرضاه الله, ارجع الى الله بإرادتك بدلا أن ينزل عليك عقاب من الله “وَٱللَّهُ مُحِيطُۢ بِٱلۡكَٰفِرِينَ” 

“وَلَوۡ شَآءَ ٱللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمۡعِهِمۡ وَأَبۡصَٰرِهِمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِير”

فالله قادر ومحيط بكل شيء, ويستطيع أن يأخذ منك كل النعم والخير الذي تعصي الله به, فاتقي الله وعد الى عبادة الله وحده وتذكر نعمه عليك, لأن تقوى الله هي السبيل الوحيد لحياة هادئة مباركة, ولا تعلق قلبك إلا بالله وتذلل له وحده, واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن يضروك بشيء, فلن يضروك الا بشيء قد كتبه الله عليك, وإن اجتمعوا على أن ينفعوك بشيء, فلن ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك.

يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱعۡبُدُواْ رَبَّكُمُ ٱلَّذِي خَلَقَكُمۡ وَٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِكُمۡ لَعَلَّكُمۡ تَتَّقُونَ في هذه الآية اشارة أن عبادة الله هي الغاية من وجودك, وذكر مرة أخرى للتقوى وأهميتها الشديدة.

ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلۡأَرۡضَ فِرَٰشٗا وَٱلسَّمَآءَ بِنَآءٗ وَأَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءٗ فَأَخۡرَجَ بِهِۦ مِنَ ٱلثَّمَرَٰتِ رِزۡقٗا لَّكُمۡۖ من أهم وأغلى مسببات الإيمان بالله وحب الله واليقين في الله, هو التأمل في روعة خلق الله, وتذكر نعمه العديدة عليك وعلى كل البشر والمخلوقات, فاجعل من التأمل والتفكر في خلق الله عادة أساسية في يومك.

فكيف بمن أنعم عليك بكل هذه النعم والخيرات, من في يده نفعك وضرك أن تشرك به أو تعلق قلبك بغيره؟ فَلَا تَجۡعَلُواْ لِلَّهِ أَندَادٗا وَأَنتُمۡ تَعۡلَمُونَ 

كيف تدعوك سورة البقرة لليقين في اعجاز القرآن؟ وان القرآن هو أفضل منهج للنجاح والسعادة؟

يتحدى الله غير المؤمنين بالقرآن أن يأتوا بمثله, وهذا التحدي قائم الى يوم القيامة, ولم ولن يستطيع أحد أن يأتي بمثل هذا القرآن أبدا, فهذا دليل على عظمة هذا الكتاب وأنه هو السبيل للنجاح والفلاح والسعادة في الدنيا والأخرة, لانه كلام الله المحفوظ إلى الأبد.

وَإِن كُنتُمۡ فِي رَيۡبٖ مِّمَّا نَزَّلۡنَا عَلَىٰ عَبۡدِنَا فَأۡتُواْ بِسُورَةٖ مِّن مِّثۡلِهِۦ وَٱدۡعُواْ شُهَدَآءَكُم مِّن دُونِ ٱللَّهِ إِن كُنتُمۡ صَٰدِقِينَ (23) فَإِن لَّمۡ تَفۡعَلُواْ وَلَن تَفۡعَلُواْ فَٱتَّقُواْ ٱلنَّارَ ٱلَّتِي وَقُودُهَا ٱلنَّاسُ وَٱلۡحِجَارَةُۖ أُعِدَّتۡ لِلۡكَٰفِرِينَ (24)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *