تطوير الذات بالقرآن الكريم (24) – حب الذات: كن نفسك

وقت القراءة: 7 دقائق 

بعد قراءتك هذا الدرس ستتعلم:

1/ كيف تعرف أنك سعيد حقا في حياتك؟ 

2/ لماذا الشخص الراضي دائما ما يكون سعيدا؟

3/ ما هو الظن الخاطئ عن السعادة؟ 

4/ ما الفرق الوحيد بين الشخص الراضي والشخص الساخط؟

5/ هل شعورك بالرضى يفقدك الدافع لتطوير ذاتك وتحسين حياتك؟

6/  كيف تصل لشعور الرضا التام عن نفسك؟

7/ ما معنى أن تكون نفسك؟ 

8/ ماذا يحدث لك عندما تعترف بمشاعرك وتعطيها حقا في التواجد؟ 

9/ كيف تستجيب بطريقة صحية لنقد الناس وتعليقاتهم السلبية عندما تكون نفسك؟

10/ لماذا يجب عليك أن تكون نفسك فقط ولا تسير مع التيار؟

بسم الله نبدأ…

هل انت سعيد الآن؟ أطلب منك أن تأخذ وقتك كاملا قبل الرد على هذا السؤال, فكر قليلا وتأمل في حالك وكن صريحا مع نفسك لأقصى حد 

إن كنت سعيدا حقا فاعلم ان سبب سعادتك هو أنك منسجم مع كل شيء حولك ولا تشعر بالرفض او الامتعاض لأي شيء في حياتك, حتى وان كانت هناك بعض الأشياء التي لا تعجبك فأنت لا تتوقف عندها كثيرا ولا تعطيها مساحة من تفكيرك لأنك تقضي معظم وقتك في عيش الحياة والاستمتاع بكل النعم الموجودة فيها

أما إذا لم تكن سعيدا او لازلت تعاني في حياتك ولا تعلم طريقك, اعلم انك في حالة مقاومة شديدة مع نفسك بمعنى أنك غير راضي عن الانسان الذي انت عليه ولا تشعر بأي اكتفاء بكل النعم الموجودة في حياتك او حتى لا ترى هذه النعم من الأساس

المعادلة بسيطة للغاية, إنسان راضي إذن هو إنسان سعيد والعكس صحيح تماما ,إن كنت رافضا لشكل حياتك كما هي الآن ولست راضيا عنها, لن تشعر بالسلام النفسي أبدا, ولن تفلح أي محاولة لتطوير ذاتك وتحسين حياتك بالقرآن الكريم

الرضا هنا يشمل كل شيء, راض عن نفسه كما هو الآن وعن حياته كما هي الآن, راض عن شكله, جسده, مظهره, عائلته, طفولته, شبابه, أخطائه, عمله, اختياراته, منزله, أصدقائه, زواجه, أولاده, دخله المادي

الشخص الراضي يعلم جيدا ان الحياة ليست سهلة وأن عليه السعي المستمر لتطوير ذاته وتحسين حياته والأخذ بكل الأسباب الممكنة, لكنه في نفس الوقت متقبل تماما لشكل حياته كما هي الآن 

الشخص الراضي عن نفسه يسعى لتطوير نفسه دائما لكنه في نفس الوقت لا يشعر بالخجل من عيوبه ولا يشعر بالنقص أو التهديد إن رأى أحدا متميز عنه في شيء ما 

الشخص الراضي مبتسم دائما لأنه يعلم حقيقة الدنيا ولا يحمل هم تغيير العالم لأنه يهتم فقط بنفسه ويعشق كل شيء في حياته 

الرضا ليس معناه ان كل شيء لابد أن يكون ممتازا, لكنه يعني أنه مهما كانت حياتك الآن فأنت ممتن لحقيقة انك لازلت تتنفس و مازالت تمتلك الاختيار لتغيير ما بنفسك وبالتالي تغيير حياتك 

هناك ظن خاطئ منتشر بين عموم الناس وهو أنه كي تكون سعيدا عليك أولا أن تنجح وتمتلك كثيرا من المال والشهرة والتأثير, لكن الحقيقة عكس ذلك تماما

حقيقة الأمر أنك أولا لابد ان ترضى عن حالك كما هو الآن وتسعد نفسك بحياتك كما هي الآن ثم تفعل كل ما يمكنك فعله للوصول لأهدافك, وبهذه الطريقة فقط تستطيع أن تصل بإذن الله ولا طريقة غيرها 

إن كنت تعلق سعادتك على شيء ما بالتحديد ولا تستطيع الشعور بالسعادة دون امتلاك هذا الشيء اعلم ان هذا من وسوسة النفس والغرور لأن السعادة الحقيقة لا تعتمد على شيء بعينه السعادة في جوهرها اختيار واعي تقوم به حتى وإن لم تكن تمتلك أي شيء 

والآن سؤال آخر, هل انت راض عن نفسك؟ هل انت راض عن كل أفعالك واختياراتك السابقة؟ لا تتعجل وخذ وقتك كاملا في الإجابة

بالتأكيد انت راض عن بعض الأشياء في نفسك وعن الأفعال الجيدة التي قمت بها ولست راضيا عن البعض الآخر, كلنا نشترك في هذا, لكن هل عدم رضاك عن تلك الأشياء يجعلك تشعر انك معيوب وناقص وغير مؤهل؟ 

هذا هو مربط الفرس, الشخص الراضي لا يخدع نفسه ويعلم حدوده جيدا لكنه لا يشعر ولو للحظة أنه غير كافي, لكن الشخص الساخط يرفض كل شيء حوله ودائما يلوم نفسه ويلوم الآخرين على كل شيء في حياته لأنه في داخله يشعر بالنقص

الشخص الساخط يعيش في حالة صراع مع أفكاره ومع الناس لأنه دائما يشعر بالنقص والفشل ويبذل كل ما في وسعه لإنكار هذا الشعور ويسقطه على الآخرين ولا يريد تحمل مسؤولية حياته أبدا 

أول خطوة لتغيير حياتك ونفسك تغيير حقيقي ان تبدأ في تقبل ذاتك وحياتك كما هي الآن بكل ما فيها, توقف عن الرفض والامتعاض والمقاومة لأنك تقاوم في الاتجاه الخطأ, فأنت في الحقيقة ترفض نفسك 

حياتك كما هي الآن هي نتيجة منطقية لاختياراتك في الماضي, إذا أردت تغيير شيء ما قم باتخاذ اختيارات جديدة والتزم بها وسترى نتائج مختلفة بإذن الله, لذلك توقف عن مقاومة نفسك وابدأ بتقبل كل شيء حولك لأنك قد صنعته بيديك

تعامل مع كل شيء في حياتك الآن على أساس أنك اخترته حتى تلك الأشياء التي لا تحبها وسترى تغييرا هائلا في الطريقة التي ترى بها نفسك, لأنك حينها ستدرك حقا أنك تمتلك قدرة الاختيار الواعي وأنك سيد قرارك 

لا يمكنك انتظار تغيير إيجابي من نفسك إذا لم تتوقف أولا عن مقاومتها وجلدها, كن لطيفا أكثر مع نفسك, لا تلومها على كل كبيرة وصغيرة, تحدث مع نفسك بعبارات مشجعة ولطيفة, وسترى تحسنا هائلا في حياتك بإذن الله

كي تصل لحالة الرضا التام عن النفس لابد من تدريب متواصل, شعور الرضا لن يأتي في يوم وليلة بالطبع, بالتدريج ابدأ بتقبل كل صفاتك الجيدة والسيئة, لا تخجل من إظهار تلك الصفات لنفسك ولمن هم حولك, لا تخجل من مشاركة حقيقتك مع كل المحيطين بك ولا تشعر بالخوف من نظرتهم لك 

لا تضع نفسك في موقف دفاعي, انت غير مطالب بتبرير نفسك لأحد ولا تجعل أي إنسان يقنعك بخلاف هذا, لا تسمح للشكوك ان تملأ عقلك وتفقدك الثقة في نفسك لمجرد ان هناك بعض الأشخاص لا يعجبهم حالك, لا تسمح للخوف أن يسيطر على رغبتك في التعبير عن ذاتك وعن مشاعرك الحقيقية 

تخلى عن الشخص الخيالي الذي يطالبك المجتمع ان تكون عليه وابدأ بتقبل الشخص الحقيقي الذي انت عليه الآن فعلا و كن مرتاحا مع حقيقة انك مختلف وليس مفروضا عليك ان تفعل تماما مثلما يفعل الناس, باختصار شديد كن نفسك ولا تكن أحدا أخر, هذا هو قمة الرضا عن النفس وقمة السلام النفسي 

أن تكون نفسك يحتاج شجاعة عظيمة خاصة في زمننا هذا لأن كل الناس تحاول ان تسجن روحك في قالب واحد ويخبرونك ماذا عليك أن تأكل, تلبس, تتكلم, تفعل, وإذا لاحظوا منك أدنى مقاومة او اختلاف سيحاولون تحطيمك أو جعلك مثلهم بأي ثمن لأنك تشعرهم بعدم الأمان

أن تكون نفسك هو أن تتقبل مشاعرك تماما كما هي, لا ترفضها, لا تخجل منها ولا تقاومها, أشعر بها كما هي لأنها جزء منك, أشعر بكل شيء حتى نهايته, لا تخف من التعبير عن فرحك, ألمك, حزنك, ابتهاجك,امتنانك, حبك, كرهك, المشاعر نعمة عظيمة من الله لأن كل شعور يوجد خلفه رسالة يريد الله إخبارك إياها والله أعلم 

والخبر الجيد أنه عندما تعطي الفرصة لكل مشاعرك بالتواجد وتعترف بها كما هي مهما كانت ولا تخاف منها, حينئذ ستكون في طريقك للوصول للرضا التام والسلام الحقيقي بإذن الله 

عندما تكون نفسك, بالطبع سيظن كثير من الناس أنك إنسان أناني لا تهتم إلا بنفسك, لكن لا تهتم كثيرا بما يظنون فيك واستمر في طريق نفسك, بعد فترة من الوقت عندما يرونك سعيدا و مكتفيا ستجدهم يطلبون نصيحتك كي يصيروا مثلك 

إذا تعرضت لنقد سلبي او تعليقات مسيئة او سخرية لاذعة, لا تجعل هذا يخيفك ولا تفكر أبدا في إرضاء الناس او السعي وراء اعجابهم وتقديرهم على حساب أن تكون نفسك, لأن في النهاية نفسك هي الباقية لك و بالدرجة التي تتصالح فيها مع نفسك سوف تكون سعيدا بإذن الله 

لكن عليك فهم شيء مهم, هو أن الموضوع ليس حربا بينك وبين الناس, انت لست ضد المجتمع, الأمر ليس هكذا على الإطلاق, حقيقة الأمر أنك تريد الوصول لحياة تكون فيها سعيدا وراضيا وفي نفس الوقت تكون فردا نافعا و منسجما مع مجتمعك

لا تتظاهر طوال الوقت أن كلام الناس ورأيهم فيك لا يهمك, لا تُحَوِّل الأمر لمعركة بينك وبينهم, عليك فقط أن تتقبل نفسك تماما كما هي ثم ابدأ بالتواصل مع الناس واستمع لوجهة نظرهم وتقبل وجودهم في حياتك وبالتالي سوف يتقبلون هم وجودك بينهم, إذن الأمر كله متوقف عليك, إذا تقبلت نفسك سوف تتقبل وجود الناس حولك و سوف يتقبلونك هم, لذا ابدأ بنفسك أولا و ستجد تغييرا جذريا بإذن الله 

لكن يمكنك أن تفكر “لماذا يجب علي أن أكون نفسي و أتعرض لكل هذه المشقَّة؟ لماذا لا أسير مع التيار و أوفِّر على نفسي كل هذا التعب والعناء؟”

في الحقيقة إذا لم تكن نفسك وتعبر عنها كما هي, سوف تكسب فعلا تقبل المجتمع, لكن كل أفكارك ومشاعرك وأهدافك ستظل تطلب منك التعبير عنها والاعتراف بها, ستشعر انك تعيش حياة ليست لك وأنك سجين لأفكار غيرك وسيظل هذا الإحساس يؤرقك طيلة حياتك ويدمر الصورة التي ترى بها نفسك ويدفعك لاتخاذ أساليب غير صحية للتعبير عن نفسك مثل الأكل المَرَضي, الاكتئاب, الغضب الغير مبرر, الإدمان بمختلف أشكاله, إن قررت إنكار نفسك لن تصل لشعور السلام أبدا كن متأكدا من هذا.

👈للاشتراك في دروس تطوير الذات بالقرآن الكريم 👉

👈الاشتراك في قناة د. إبراهيم عبد الواحد👉

برجاء تقييمك للمقالة في قسم التعليقات👇

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *