تطوير الذات بالقرآن الكريم (18) – تقبل ما لا تستطيع تغييره.

وقت القراءة: 9 دقائق

بعد قراءة هذا الدرس ستتعلم:

1/  لماذا يجب عليك الاهتمام بما تستطيع السيطرة عليه فقط؟

2/ ما هي الأشياء التي لك سلطة عليها والتي ينبغي عليك تطويرها؟

3/ ما هي الأشياء التي تقع خارج نطاق سيطرتك وينبغي عليك ان تنساها تماما ولا تحاول تغييرها؟

4/ لماذا من الحكمة أن تتجاهل تلك الأشياء؟

5/ ما هو أفضل قرار ينبغي أن تتخذه الآن؟

6/ ما السبب الحقيقي الذي يدفع الناس للتحكم في غيرهم؟

7/ ما هو دورك الحقيقي تجاه مجتمعك؟

بسم الله نبدأ…

في حياة كل منا أشياء لا تسعده وفي نفس الوقت لا يستطيع تغييرها, ببساطة لأن هذه الأشياء تقع خارج نطاق سيطرته ولا يمتلك أي سلطة عليها

مهما حاولت جاهدا لتغيير تلك الأشياء التي تقع خارج نطاق سيطرتك لن تنجح إلا في تدمير نفسك و تضييع جزء كبير من وقتك وتركيزك و ستصاب بالإحباط حتما

أثناء تطوير ذاتك وتحسين حياتك بالقرآن الكريم, لابد أن تمتلك الفطنة و رجاحة العقل والحكمة اللازمين للتفريق بين ما تستطيع تغييره وبين ما هو خارج تماما عن نطاق سيطرتك وليس من اختصاصك

امتلاك هذه الحكمة سيزيد فرص نجاحك بالتأكيد, لأنه سيوفر عليك كل الوقت والجهد المفقودين في محاولات عقيمة لتغيير ما لا يمكن تغييره أبدا على الأقل في الوقت الحالي 

ابذل جهدك وركز طاقتك فقط على ما يقع تحت سيطرتك و تقدر فعلا على تغييره ثم توكل على الله وخذ بالسبب المتاح كما أسلفنا, واترك ما لا تستطيع تغييره تماما ولا تفكر فيه إطلاقا ولا تحمل همه أبدا حتى يقضى الله أمرا كان مفعولا

كل ما يمكنك تغييره هو: أفكارك, سلوكياتك, عاداتك, ردود أفعالك, الطريقة التي تنظر بها للأمور, أخذك بالأسباب, سعيك, اجتهادك, عملك الجاد, الاهتمام بصحتك ومظهرك, الاهتمام ببيئتك المحيطة, تثقيف نفسك, تطوير عقلك, إراحة بالك 

توكلك على الله, ذكرك المستمر لله, تقوى الله, فعل الخيرات, الاستعانة بالله, حفظك للقرآن, تدبر آيات القرآن, المحافظة على الورد اليومي من القرآن, تطبيق أخلاق القرآن في تعاملك مع الناس, الصلاة على النبي دائما و اتباع أخلاقه وطباعه

هذه هي الأمور التي يجب عليك الاهتمام بها وإعطائها كل تركيزك وانتباهك لأنها جميعها تقع داخل نطاق سيطرتك, وبعد فترة من اهتمامك بها وتركيزك عليها ستجد اختلافا ملموسا وحقيقيا في حياتك وفي الطريقة التي تشعر بها 

أما الأشياء التي لا تستطيع السيطرة عليها تنقسم إلى ثلاثة أقسام: 

  1. القسم الأول: اشياء انت جلبتها إلى نفسك و انت من قام باستدعائها داخل حياتك:  مثل علاقة حب مؤذية, وظيفة تستنزف طاقتك, صحبة سيئة تقضي معظم أوقاتك معهم, زواج غير متكافئ يجعلك تعيسا, مرض عضوي تعاني منه بسبب عادات صحية خاطئة, مرض نفسي نتيجة صدمة او تجربة مؤلمة

أنا لا أقول انك قد تعمدت جلب هذه الأشياء المضرة أو مثلها إلى حياتك, لكن أقول أنه في لحظة ما كان عندك الخيار, وأنك بشكل أو بآخر قد اخترت ورضيت بوجود هذه الأشياء في حياتك ولم تأخذ بالسبب الصحيح, يوجد احتمال انك لم تكن تعلم أنها ستجلب لك المشقة فيما بعد, لكن هذا لا يعفيك من المسؤولية 

تكلمنا قبل ذلك أن مسؤولية حياتك تقع على عاتقك انت وحدك, وأنه لكي تتطور فعلا في حياتك عليك بتحمل تلك المسؤولية تماما, وجزء من تحملك لها هو اعترافك وتقبلك التام لحقيقة أنك من جلب هذه الأشياء إلى حياتك سواء عن علم او عن جهالة

معظم هذه الأشياء او حتى كلها بالطبع يمكن تغييره, لكنك تحتاج إلى وقت طويل وصبر جميل وأخذ جاد بالأسباب وعزيمة قوية جديرة بالأبطال, لأن هذه الأشياء هي حصيلة ومجموع عديد من الخيارات الخاطئة لفترة طويلة من الزمن فبالتأكيد تغييرها يحتاج لوقت مماثل واتخاذ العديد من الخيارات الصحيحة التي لن تكون سهلة في كثير من الأحيان 

إذا استطعت الآن أخذ هذا القرار الصعب بترك كل ما يجعلك تعيسا فلا تتردد أبدا, لأن هذا القرار هو بمثابة ميلاد جديد لك, فكر في طريقة آمنة للخروج او للمواجهة ثم توكل على الله واعلم ان الله سيعينك لأنك قد أخذت الخيار الصحيح بإذن الله

لكن لنكون واقعيين, كثير من الناس لا يستطيعون أخذ مثل هذا القرار في الوقت الحالي ,إذن ما الحل إذا كان وضعك لا يسمح لك بتغيير تلك الأشياء ولا تقدر على المغادرة؟ يمكن أن يكون لأسباب اجتماعية, عائلية, صحية, مادية او غيرها تمنعك من ذلك الآن

الحل ببساطة هو التقبل الهادئ, أولا: أعترف لنفسك بأنك مسؤول عن جلب هذه الأشياء إلى حياتك لكن دون لوم مبالغ فيه او جلد للذات, فقط تقبل هذه الحقيقة, لأن تقبلك لها يعني انك مثل ما انك قدرت على جلبها, فأنت أيضا قادر على تغييرها, هذا هو جوهر و روعة القدرة على الاختيار, فقط كن واعيا بهذه القدرة

ثانيا: تقبل انك لا تستطيع تغيير تلك الأشياء في الوقت الحالي وعليك تحمل نتيجة اختياراتك والتعايش معها حتى يأتي الله بأمره, ثم قرر ماذا تريد لشكل حياتك ان يكون وابدأ بالأخذ بالأسباب والسعي ثم التوكل على الله

هذا ليس معناه ان تخدع نفسك أو تقنع نفسك بحب أشياء انت في الحقيقة تكرهها, معناه فقط أن تتقبل حقيقة انك لا تستطيع تغييرها الآن ويجب أن تتعايش معها 

هذا التقبل الهادئ لن يحدث في يوم وليلة, بالتأكيد سيأخذ منك بعض الوقت حتى تعتاد عليه, واثناء ذلك الوقت عليك بتوسيع دائرة سيطرتك شيئا فشيئا بالتركيز على تطوير نفسك و أخذك بالأسباب

حدد أهدافك, حدد ماذا تريد, ثم ابدأ فورا بالأخذ بالسبب المتاح لك الآن وتوكل على الله, تدريجيا ومع مرور الزمن واستمرار سعيك الجاد و أخذك بالأسباب ستجد ان دائرة سيطرتك بدأت في الاتساع وأنك أصبحت أكثر قدرة وأوسع حيلة

ستفاجأ انك أصبحت لا تفكر في كل الأشياء المزعجة التي تقع خارج منطقة سيطرتك والتي اعتادت أن تشغل حيزا كبيرا من تفكيرك, وأنها باتت غير مهمة بالنسبة لك, لأنك ببساطة أصبحت غير مهتم بها ولا ترغب في تغييرها او التحكم فيها وتقبلت وجودها في حياتك

هذا هو شعور الرضا الذي يبحث عنه الجميع ولا يعلمون أنه من السهل الوصول للرضا إذا فقط بدأت بتقبل ما لا تستطيع تغييره وتعايشت معه ثم سعيت جاهدا لتطوير نفسك والأخذ بالأسباب لخلق واقع جديد ثم تركت تدبيره لله, إذا وصلت لهذا الشعور الجميل, يمكن أن يغير الله كل حياتك للأفضل في طرفة عين بإذن الله

  1. القسم الثاني: أشياء تتعلق بأشخاص آخرين, لن تستطيع أبدا ان تتحكم في وجهة نظر أو أفكار شخص آخر, لن تستطيع إقناع أحد بشيء ما إن كان غير مقتنع به من الأساس مهما بدا لك هذا الشيء منطقيا, مهما حاولت فلا يمكنك دفع أي أحد لفعل شيء لا يريد فعله

انت لا تمتلك الحق من الأساس ان تتحكم في تفكير الناس او أفعالهم, لكل منا شخصيته المتفردة ولكل منا الحق أن يرى الأشياء كما يريد أن يراها طالما ان رؤيته هذه لن تضر أحدا, كل إنسان حر 

بالتأكيد انت تكره حينما يحاول أحد ما أن يتحكم فيك بأي صورة, فلماذا لا تعطي هذا الحق للآخرين أيضا؟ لماذا لا تهتم بنفسك فقط وتترك المُلك للمالك يُسَيِّر عباده كيف يشاء؟ 

يمكن أن يُزَيِّن لك غرورك انك تحاول هداية الناس للطريق الحق او انك تريد مصلحتهم وسعادتهم في الدنيا والآخرة لكنك في الحقيقة تريد ان تجعل الناس كلها على شاكلتك لأنك خائف من الاختلاف لأن حقيقة ان هناك من يختلف معك في الرأي أو التوجه تشعرك ان هناك احتمال ان تكون على خطأ وهذا ما لا ترضاه أبدا

إذا أردت فعلا مصلحة الآخرين وسعادتهم فأفضل شيء تفعله ان تتركهم وشأنهم, وتهتم بمصلحتك و حياتك انت فقط, وحينما تصبح إنسانا سعيدا و مكتفيا لأقصى حد يمكنك إرشاد كل من يلجأ إليك لطلب المشورة والمساعدة, هذا هو التوقيت المناسب لكي تقدم المساعدة للآخرين, لأن في هذه الحالة هم من يطلبون مساعدتك وليس انت من تعرضها عليهم 

احترم خصوصية جميع الأفراد من حولك, تعايش وتصالح مع حقيقة أنه من الممكن ان تجد من يختلف عنك في كل شيء وأن هذا ليس تهديدا لك ولا اتهام بأنك خاطئ

الرغبة في التحكم مصدرها الخوف وعدم الأمان, كل من يحاول ان يتحكم في مصائر البشر وأفعالهم هو إنسان غير متصالح مع نفسه ودائما يشعر أنه مُهَدَّد إذا لم تسر كل الأمور على هواه 

لذلك ترى هذا الشخص يسعى جاهدا كي يخلق حوله بيئة آمنة من وجهة نظره ويفرض آراءه على الناس بالقوة ويشعر بالإهانة الشديدة إذا خالفه أحد ويحمل مشاعر البغضاء والضغينة لكل من ليسوا على هواه ويسعى لإسقاطهم وإذلالهم

هذا الانسان هو في الحقيقة خائف جدا, يدَّعي المثالية والتدين دائما من أجل كسب ثقة الآخرين ثم يحاول بعد ذلك أن يتحكم فيهم, بالتأكيد انت قد مررت في حياتك بمثل هذا النوع من البشر وهم كُثُر

هذا الشخص يفقد الكثير من طاقته وتركيزه وحياته في التفكير في الآخرين لأنه لا يملك الشجاعة أبدا كي يواجه نفسه ويحاول تطوير ذاته لأن تطوير ذاته من وجهة نظره معناه ان به نقص ما وهو لا يقبل على نفسه ان يتصف بالنقص حتى لو بينه وبين نفسه

هذا الشخص ليس بالضرورة ان يكون سيئا او شريرا لكنه لا يعرف ان كل ما له سلطة عليه في الحقيقة هو نفسه فقط ويظن خاطئا أنه يقدر ان يتحكم في الناس من حوله, غروره صور له هذا وقام هو بتصديق غروره 

من أجل ذلك, تخلى عن أي محاولة لجعل شخص ما يرى الأمور من وجهة نظرك, او ان يفعل الأشياء بالطريقة التي تفعلها بها, عليك بنفسك فقط

لا تضيع المزيد من طاقتك وحياتك في الاهتمام بالناس او الرغبة في جعلهم مثلك, او ان تجعلهم يعجبون بك ويحبوك رغما عنهم, إذا أردت ان تكون محبوبا عليك فقط ان تكون مفيدا لنفسك ولغيرك, وان تحترم رغبات من حولك

اهتم فقط بما يقع داخل نطاق سيطرتك وهو نفسك فقط, طور عقلك, اهتم بالقيمة التي تقدمها وكيف تجعلها مفيدة أكثر, هذا كل ما عليك فعله 

  1. القسم الثالث: أشياء قدرية لا دخل لك فيها, انت لم تختر اسمك, خلقتك, عائلتك, مكان ولادتك او المكان الذي عشت فيه طفولتك, انت لا تتحكم بالأوضاع الاقتصادية او السياسية بدولتك, لم تتسبب بالظروف الصعبة التي قد تصيب غيرك ولست مسؤولا عنها 

انتقاد كل شيء تقع عليه عينك او الشكوى من أي شيء تسمع عنه لن يفيدك أبدا, بالعكس سيحولك إلى إنسان سلبي وغير مفيد لنفسه او مجتمعه على الإطلاق

انت غير مسؤول عن معظم الأشياء التي تحدث حولك, انت غير مُطَالَب بتغيير او إصلاح العالم, انت فقط مسؤول عن إصلاح نفسك والتحسين من حياتك

لا تشغل بالك بحال فلان او لماذا فعل كذا, عليك بحالك فقط, خذ بالأسباب, اسع لأهدافك, توكل على الله, لابد أن تستحوذ أهدافك على نصيب الأسد من تفكيرك

لا تكثر من مشاهدة الأخبار او متابعة قنوات ال YouTube المتخصصة في عرض الأحداث المثيرة للجدل و المُستهلِكة للوقت و المُشَتِتة للانتباه, الغ متابعتك لحسابات التواصل الاجتماعي التافهة التي لا تجلب لك سوى مزيدا من القلق وعدم الشعور بالأمان

كل هذه القنوات والمنصات لا تفيدك بشيء يذكر, مهمتها فقط أن تجعلك تشاهد أكثر وتنتبه لهم أكثر كي يستفيدوا من قيمتك التسويقية بعرض إعلانات مدفوعة أمامك, لذلك لا تعطهم انتباهك و ركز طاقتك على ما يفيدك ويجلب لك مصلحة مباشرة 

لا تدخل في الجدالات العقيمة حول الأوضاع السياسية او الاقتصادية او حتى الرياضية, لأنك لن تصل لأي نتيجة مفيدة, بالعكس ستكسب مزيدا من الأعداء 

كل هذه الاهتمامات الفارغة تمتص طاقتك وتبدد تركيزك و تضيع وقتك فيما لا طائل منه ولا فائدة, إذا أردت فعلا المشاركة في الإصلاح المجتمعي, طور من نفسك, إرفع مستوى معيشتك, تبرع بمالك وجهدك لصالح المؤسسات الخيرية, كن إيجابيا و افعل شيء ملموس يفيدك ويفيد من حولك دون شكوى أو تذمر 

إذا وجدت نفسك تهتم بحال غيرك أكثر من حالك, اعلم انك تمتلك الكثير من وقت الفراغ الذي يجب ان تملأه بشيء مفيد, خذ بأسباب أكثر, طور ذاتك أكثر, استمتع بوقتك, أرح عقلك, افعل شيء يجلب لك السعادة, المهم ان تهتم بنفسك فقط

إذا أردت فعلا تغيير العالم, فقط عش سعيدا لأقصى حد, خذ بكل الأسباب التي تجعلك سعيدا آمنا مطمئنا

مع الوقت درب نفسك على امتلاك هذه الحكمة العظيمة, التي تساعدك في التفريق بين الأشياء التي تقع فعليا داخل نطاق سيطرتك فتهتم بها أكثر, و الأشياء التي لا تملك أي سيطرة فعلية عليها فتتجاهلها وتنساها وتحاول ان تتعايش معها قدر المستطاع وفي نفس الوقت تأخذ بالأسباب لتحسين حياتك حتى يأتي الله بأمره

إذا نجحت في هذا ستكون وفرت على نفسك متاعب جمة و اختصرت أكثر من نصف الطريق للسعادة بإذن الله. 

👈للاشتراك في دروس تطوير الذات بالقرآن الكريم 👉

👈الاشتراك في قناة د. إبراهيم عبد الواحد👉

برجاء تقييمك للمقالة في قسم التعليقات👇

تطوير الذات بالقرآن الكريم (18) – تقبل ما لا تستطيع تغييره.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تمرير للأعلى