وقت القراءة: 15 دقيقة
بعد قراءتك لهذا الدرس ستتعلم:
1/ ما هي القاعدة الخاطئة التي يستمر مدربين تطوير الذات في تسويقها لنا؟
2/ لماذا هذه القاعدة في ظاهرها حق لكن باطنها الباطل؟
3/ كيف يعالج تطوير الذات بالقرآن الكريم هذا الخطأ؟
4/ هل يجب عليك أن تعرف ما هو هدفك وتحدده بكل وضوح؟
5/ كيف تبتكر طريقتك الخاصة التي تناسبك جيدا؟
6/ ما هو السبب المتاح لك الآن؟
7/ ما هي أهم العقبات التي تمنعك من الفعل والأخذ بالأسباب؟
8/ كيف تتعامل مع الخوف من الفشل؟
9/ كيف تتعامل مع خوفك من نظرة الناس لك؟
10/ لماذا كثير من الناس يحقدون على أي شخص ناجح؟
11/ ما هو التوكل الحق؟
12/ ما هي الحالة الوحيدة التي يمكنك فيها الاهتمام برأي الناس؟
13/ ما هو وهم الكمال وكيف يعيقك عن الأخذ بالأسباب؟
14/ هل حقا هو رغبة في الكمال ام خوف مُقَنَّع؟
15/ كيف تتعامل جيدا مع مخاوفك وتفهم الرسالة والحكمة من ورائها؟
16/ كيف تستفيد من الخوف في تطوير ذاتك وتحسين حياتك؟
بسم الله نبدأ…
هناك قاعدة مغلوطة يستمر معظم مدربين تطوير الذات في تسويقها لنا وهي أنه يجب ان يكون لديك هدف سامي يشغل كل تفكيرك و يملك كل حواسك ولابد ان تكون مهووسا به وأن تكون واضحا و متأكدا لأقصى درجة انك تريد هذا الهدف بالتحديد وان لم تعلم ما هو هدفك حتى الآن فأنت في مشكلة
وعليك ان تضع كل الخطوات الكبيرة والصغيرة للوصول إليه و تضع خطة زمنية وتسير عليها حتى تصل وإن لم تصل فأنت لا تمتلك قوة الشخصية والإرادة الكافية وينبغي عليك ان تعالج هذا الضعف في الإرادة أولا وبالطبع هم من يملكون الحل السحري
هذه القاعدة في ظاهرها حق لكن باطنها الباطل لعدة أسباب:
أولا. نسبة قليلة جدا من البشر هم من يملكون هدفا ساميا لا يفكرون إلا فيه ولا يعملون إلا له وهذا شيء جيد و يناسبهم جدا, لكن الأغلبية العظمى من الناس لا يحبون ان يحصروا حياتهم على تحقيق شيء واحد فقط ومهما حاولوا لا يستطيعون
فليس من العدل ان تطبق قاعدة تناسب فقط فئة قليلة من الناس على كل الناس ثم تحكم على من لا يستطيع تطبيقها على نفسه ببساطة لأنها لا تناسبه بأنه ضعيف الشخصية أو واهن الإرادة
كما أسلفنا فإن الطريقة والأسلوب الذي يناسب شخص ما او حتى عدة أشخاص ليس بالضرورة يمكن أن يناسبك وينبغي عليك ان تمتلك الشجاعة الكافية للتصريح بهذا ولا تظن لمجرد انك لم تستطع تطبيق أسلوب معين فالعيب فيك لكن ببساطة افهم ان هذا الاسلوب لا يناسبك
وهذا بالتحديد هو جوهر تطوير الذات بالقرآن الكريم لأن اثناء حفظك وقراءتك و تدبرك للقرآن ستجد ان عقلك قد ابتكر أفضل طريقة تناسبك لتحسين حياتك من تلقاء نفسه لأن عقلك قد ازداد نورا بكلام الله عز وجل
ثانيا. انت لست مُطالَب ان تعرف هدفك السامي بكل تحديد ووضوح ولست حتى مُطالَب ان يكون لك هدفا ساميا من الأساس, هذا ليس معناه ان تصبح إنسان بلا هدف او رغبة تقودك لكن ليس بهذه الصورة التجارية التي يسوقونها لك
انت فقط مُطالَب أن تقدم قيمة إيجابية لنفسك ولمجتمعك وعليك ان تبتكر طريقتك الخاصة المناسبة لك و التي تستطيع بها تقديم هذه القيمة ثم تأخذ بالأسباب المتاحة لك الآن والسعي في تقديم قيمتك ثم التوكل على الله
و لكي تبتكر طريقتك الخاصة لابد أولا ان تعرف نفسك جيدا و تهذبها و تفعل ما تحبه انت لا ما يقولون لك انك ينبغي أن تحبه, عليك ان تتصالح مع نفسك وتمتلك الشجاعة الكافية للتعبير عن نفسك وعن مشاعرك لأن هذا هو حقك الأصيل الذي كفله الله لك
لا تشعر بالضيق أو الإحباط لأنك لا تعرف هدفك حتى الآن, هدفك الحقيقي سيظهر نفسه لك عندما تبدأ انت بالأخذ بالأسباب والفعل, كلما تحركت أكثر سيتضح هدفك أكثر, و أفضل شيء تفعله هو الأخذ بالسبب المتاح لك الآن
ما هو السبب المتاح لك الآن؟
هل هو وظيفة؟ طور نفسك في وظيفتك واسعى للحصول على وظيفة أفضل ولو لم تكن لديك وظيفة بعد ابدأ بالبحث عن وظيفة تناسبك
هل هو مشروع؟ طَوِّر مشروعك أكثر وقدم قيمة أفضل لعملائك واهتم بموظفيك وإذا كانت لديك فكرة مشروع جيدة اسعى في تنفيذها فعليا
هل هو دراسة؟ ابدأ إكمال تعليمك في الجامعات والمراكز المعتمدة و طَوِّر عقلك
هل هو مشاركة محتوى يثير شغفك؟ ابدأ الآن بالأخذ بأسباب نشر محتواك للفئة المهتمة و طَوِّر من مستوى محتواك باستمرار
هل هو زواج؟ اسعى لتكوين عائلة مع شريك حياة مناسب وإذا كنت متزوج بالفعل خذ بالأسباب لجعل زواجك مصدر دائم لسعادتك
هل هو نشاط او هواية تحب القيام بها؟ كفاك تأجيلا و اسعى لإشباع هوايتك والاستمتاع بوقتك الآن
المهم ان تعبر عن نفسك وعن رغباتك وتستخدم مواهبك الفطرية التي وهبك الله إياها ولا تتوقف عن الحركة والأخذ بالأسباب, لأن الحركة والفعل سيجعلونك تتعلم أشياء جديدة عن نفسك لم تكن تعرفها قبل ذلك ولم تكن لتتضح لك دون عمل
كثير منا يعلم جيدا ماذا ينبغي عليه ان يفعل لكي يغير حياته, ويعلم جيدا ما هي الأسباب التي لابد من الأخذ بها للوصول لأهدافه لكنه ببساطة لا يستطيع حمل نفسه على الفعل
و ذلك يمكن ان يكون لعدة أسباب سنذكر هنا أهمها:
السبب الأول. الخوف من الفشل:
في حقيقة الأمر نحن لا نخاف الفشل في حد ذاته لأن الفشل يعطيك دروسا مهمة جدا في رحلة تطويرك ينبغي عليك التعلم منها لكي تتقن أخذك بالأسباب
كما قلنا لابد ان تستفيد من الجانب الايجابي والجانب السلبي, طَوِّر الإيجابي أكثر و تعلم من السلبي, هذا من اساسيات تطوير الذات
إذن المشكلة الحقيقة ليست خوفنا من ان نفشل, خوفنا الحقيقي من كيف سينعكس هذا الفشل على نظرة الناس لنا؟
في الحقيقة نحن نخاف من مظهرنا أمام الناس أكثر من خوفنا من الفشل
انت تخاف من ظهورك بمظهر الفاشل أمام الناس وذلك هو المانع الأساسي الذي يحول بينك وبين الفعل والأخذ الجاد بالأسباب
تخاف من حكمهم الظالم عليك أنك إنسان لا يعلم ماذا يفعل او يفتقر إلى الخبرة اللازمة او ضعيف الشخصية وهذا يجرح كبريائك جدا لدرجة تجعلك تتجنب أي محاولة جادة لتغيير حياتك والأخذ بالسبب المتاح
هل ترى المفارقة هنا؟ انت تخاف أن تبدو فاشلا أمام الناس للدرجة التي تفقد عندها الرغبة في فعل أو تجربة أي شيء جديد فتصير فاشلا حقا
اعلم ان كثيرا من الناس يبرعون في إحباط وتثبيط عزيمة أي شخص ناجح لأنهم لا يطيقون فكرة ان إنسان مثلهم و في نفس ظروفهم قد نجح أكثر منهم لذلك لا يملون الحكم الظالم على الناجحين, بل وهناك بعض الناس يتعمدون إلحاق الأذى المباشر او غير المباشر بأي شخص يبدأ نجمه في السطوع
من أجل ذلك لا تهتم بالناس ولا بما يقولون عنك لأن استماعك لقولهم لن يفيدك أبدا, وإذا أردت ان تستمع لرأي أحد فاختار جيدا من تعلم أنه يريد مصلحتك فعلا وأنه ينتقدك لأنه يريدك ان تُحَسِّن أكثر من نفسك ومن قيمتك وهؤلاء قليلون للغاية
للتغلب على خوفك من نظرة الناس لك عليك أخذ عدة أمور بالحسبان:
أولا. لا تهتم كثيرا بنظرة الناس لك لأن فكرتهم عنك لا تمثلك انت وإنما تمثل فكرتهم عن أنفسهم هم, انت أدرى الناس بنفسك وليس من حق أحد آخر ان يحكم عليك إلا إذا أعطيته انت هذا الحق
اهتمامك المبالغ فيه بنظرة الناس لك هو تصريح ضمني أنك تعطيهم حق الحكم عليك والتحكم في مصيرك, لذلك لا تهتم كثيرا كيف يفكر الناس عنك, اهتم أكثر بتطوير نفسك وتحسين مستوى معيشتك وتطوير القيمة التي تقدمها
اعلم جيدا ان كل الناس لا يستطيعون جلب أي فائدة لأنفسهم إلا الفائدة التي يتفضل الله بها عليهم, إذن لماذا تعطي حق تقرير مصيرك لبشر مثلك لا يملك من أمره شيء؟ اهتم أكثر بمن يملك القدرة الحقيقية وهو الله سبحانه وتعالى
لا تهتم كثيرا بالتعليقات السخيفة التي تتلقاها على وسائل التواصل الاجتماعي لأنها تعبر فقط عن ثقافة وعقلية من يعلق ولا تعبر عنك ولا عن المحتوى الذي تقدمه مادام محتوى هادف ويقدم حل لمشكلة او يقدم فائدة ولو قليلة لمن يشاهد
ركز فقط على تطوير ذاتك وتحسين مستوى حياتك والسعي الجاد وراء أهدافك والأخذ بكل الأسباب المتاحة, غير ذلك لا تعطه أي مساحة من تفكيرك
بالطبع الأمر ليس سهلا ان تفصل بين فكرتك عن نفسك و فكرة الناس عنك لكن مع الوقت و استمرار تركيزك على تطوير نفسك وتحسين قيمتك ستصبح أكثر قدرة على الفصل و ستتأكد فعلا ان رأي الناس عنك لا يمثلك أبدا
لا تحاول تبرير ما تفعله للآخرين والدفاع عن نفسك بالكلام الفارغ, دع نتائجك تتكلم بالنيابة عنك, دع ثقتك في نفسك وإصرارك على تحقيق هدفك وسعيك الجاد في سبيله يكون مثلا يُحتذى به لدرجة تُخرِس كل منتقديك
ثانيا. التوكل على الله أكبر مُعين لك, انت تأخذ بكل الأسباب وتنتظر النتيجة والفضل من الله فقط, الناس حولك ما هم إلا صور لكن الله هو المُنعِم الحقيقي وهو من ينبغي عليك شغل عقلك به وليس الناس
اعتقادك أن الله ينظر إليك وانت تأخذ بكل الأسباب وتعمل بكل جد وحسن ظن بالله و أن الله لن يضيع تعبك هو أعظم عون لك وأكبر حماية من أحكام الناس الظالمة
انظر لحالك جيدا, قرر ماذا تريد أن تفعل ثم انطلق وتوكل على الله
“فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ” (159 آل عمران)
التوكل الحق هو ألا تتكاسل أبدا ولا تقلل من قيمة أي سبب يتاح لك و تستمر في المحاولة حتى تصل لهدفك او حتى يكتب لك الله الوصول لهدف أفضل مما تريد,
انظر ما السبب المتاح لك الآن مهما كان صغيرا و اسعى في الأخذ بهذا السبب و دع تقرير ماذا ينتج من سعيك هذا لله عز وجل
لا تهتم كيف سينظر الناس لك اثناء سعيك ولا تهتم كثيرا ماذا تفعل بعد هذا السبب لأن الله لن يتركك و سيظهر لك أسباب جديدة لكن أولا ابدأ بهذا السبب البسيط المتاح أمامك الآن وسترى الأمور تتضح لك أكثر بمرور الوقت بإذن الله
لا تضع آمالا كبيرة على استشارة من هم حولك في تقرير صحة أفعالك, لا تسأل كل شخص ماذا يظن؟ لا تضيع المزيد من وقتك في أخذ آراء الناس في شيء تريد ان تفعله لأنهم سيخبرونك بما يظنونه عن أنفسهم هم وليس عنك
الحالة الوحيدة التي تصبح فيها استشارة الناس أمر مفيد هى عندما تسأل أهل الخبرة في شيء لا تعرف كيفية فعله, سؤال أهل العلم شيء أساسي في رحلتك لهدفك, لكن ابدأ في الأخذ بالأسباب المتاحة لك أولا قبل التفكير في استشارة أهل العلم لكي تكون محددا في سؤالك وتسأل عن دراية لا عن جهل
“فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ” (43 النحل)
عليك أن تكتسب بعض الثقة في نفسك و في نظرتك للأمور لأنك الأعلم بحالك و تعرف جيدا أكثر شيء يناسبك أفضل من أي شخص
حفظك و تدبرك للقرآن الكريم سيجعلك أكثر ثقة في نفسك لأنه سيجعلك تثق أكثر في قدرة الله ولن تشغل بالك إلا بالله
السبب الثاني. وهم الكمال:
كم مرة أردت أن تبدأ شيء أنت حقا شغوف به لكنك ترددت وأجلت الفعل بحجة الانتظار حتى تصبح كل الظروف متاحة؟
كم وقتا خسرت من عمرك وكم سنة مرت عليك وأنت لازلت قيد الانتظار؟
هل فعلا الظروف تتحسن؟ ام كلما مر بك الوقت ظهرت لك عقبات و ظروف معقدة أخرى لم تكن بالحسبان؟
و بعد هذه المدة الطويلة من التأجيل هل لازلت بذلك الحماس للفعل ام فقدت شغفك واهتمامك بما تريد بل و أيقنت انك لا تستطيع وأن الفرصة قد فاتتك؟
إذا كنت تشعر بكل هذا فأنت قد وقعت في فخ ظاهرة حق لكن باطنه هو الباطل بعينه
هذا الفخ هو وهم الكمال…
هذا الوهم الذي كلف عديد من الناس أعمارهم وسلب منهم أحلامهم, الوهم الأكبر الذي يمنعك من الأخذ بالأسباب
هذا العذر الواهي أنك لا تريد ان تبدأ إلا عندما تتوفر لك كل الأسباب التي تساعدك في الفعل و تظل تقنع نفسك أنه إذا لم تتوفر تلك الأسباب فلن يكتب لك النجاح و حتما ستفشل
يمكن ان تكون تلك الأسباب مثلا “عندما يتحسن الوضع الاقتصادي للبلاد” “عندما أمتلك رأس المال الكافي” “عندما أجد شريك يساعدني” “عندما أجد الوقت الكافي” “عندما أمتلك الخبرة اللازمة” “سأبدأ العام القادم” “سأبدأ عندما أستقيل من الوظيفة”
لكل شخص محترف في التأجيل أسبابه وظروفه الخاصة التي من وجهة نظره تمنعه حاليا من البدء في الفعل, لكن تعددت الأسباب والنتيجة واحدة وهي عدم إنجاز أي شيء ذو قيمة و ضياع مزيد من الوقت
اعلم أنه مهما كانت الأسباب التي تظل تكررها لنفسك و التي تنتظر توافرها حتى تبدأ إنما هي من وحي خيالك لأن حقيقة الأمر انك خائف من الفعل
خائف من خوض التجربة لأنك لا تثق في امكانياتك وتظن انك غير كافي
خائف من تحمل مسؤولية حياتك لأنه إذا فشلت لن تجد من تلوم إلا نفسك
خائف من مظهرك أمام الناس و من نظرتهم لك على أنك فاشل
خائف من بذل الجهد المطلوب لأنك تتكاسل عن السعي والأخذ بالأسباب
خائف من المقارنة الظالمة بينك وبين من سبقوك في مجالك
الخوف ليس عيبا أبدا, كلنا بشر من لحم ودم ولابد ان نختبر هذا الشعور المقلق بالخوف من حين لآخر, لكن العيب الحقيقي هو أن تخدع نفسك وتظل مقتنعا انك غير خائف أبدا و أنه إذا توافرت الظروف المناسبة فحتما ستنجح
تأكد أنه حتى إذا كانت كل الظروف مواتية الأن فلن تفعل أي شيء لأنك حينها أيضا ستأتي بأسباب وعقبات جديدة لأنه في الحقيقة انت لا تريد أن تفعل, لأن الفعل يجعلك تواجه مخاوفك, و أنت ببساطة تريد ان تتجاهل هذه المخاوف ولا تمتلك الشجاعة الكافية لمواجهتها
هناك من يعترفون بمخاوفهم ولا يجدون حرجا من هذا, يواجهونها و يتعلمون منها وينظروا للرسالة والحكمة من ورائها ويأخذوا بكل الأسباب الممكنة لتقوية أنفسهم, أولئك يتخذون من الفعل والعمل المستمر وسيلة للنمو والتطور, وكل خوف يصيبهم هو في الحقيقة فرصة ذهبية للازدهار
وهناك من يعرفون أنهم خائفون, لا يخدعون أنفسهم بوهم الكمال, هؤلاء صادقون مع أنفسهم لكن لا يمتلكون الشجاعة الكافية لمواجهة مخاوفهم, أولئك يأخذون وقتا أطول للفعل لأنهم لازالوا في حرب مع أنفسهم ولا يستطيعون فهم الرسالة من وراء الخوف, يتعاملون مع الخوف كأنه نوع من العار او الضعف, لذلك يستهلكون وقتا أطول حتى تظهر مواهبهم
وهناك من لا يعترفون لأنفسهم انهم خائفون, بل يظنون أنهم لا يخافون أبدا, و ان الشجاعة خلقت لهم, اولئك هم الفريسة المثالية لوهم الكمال, محترفين في خداع أنفسهم, ولا يملكون ذرة شجاعة حقيقية لمواجهة مخاوفهم او حتى الاعتراف بوجودها من الأساس, اولئك لا ينجزون أي شيء ذو قيمة في حياتهم ويحقدون على من يفعل أي شيء مهم ويريدون دائما تثبيط عزيمته بأي وسيلة لأن نجاحه هو دليل دامغ على قصورهم
و الأن انت من أي نوع من تلك الأنواع الثلاثة؟ بالتأكيد انت تعرف حق المعرفة
اعلم ان الشعور بالخوف هو في الحقيقة شعور إيجابي مهمته ان يلفت نظرك لشيء سيء يمكن ان يحدث و ينبهك للأخذ بكل الأسباب الممكنة لتقوية نفسك و مهمتك أنت ان تفهم تلك الرسالة و تأخذ بكل الأسباب التي في استطاعتك وتتوكل على الله
لكن إذا قررت التواكل والمكوث في مكانك حتما سيزيد ذلك الخوف لمحاولة دفعك للحركة, وعليك حينها ان تستجيب لتلك القوة الدافعة وأن تتحرك
لكن إذا قررت أيضا ان تستمر في مكانك ولا تطور من نفسك سيتحول هذا الخوف إلى وحش كاسر يسبب لك القلق والاكتئاب و يسلبك كل متع الحياة وأي شعور بالرضا, ذلك لأنك لم تعترف به و بالرسالة التي يريد إيصالها لك ولم تقم بأي عمل إيجابي
الأن لابد ان تفهم شيء مهم للغاية, وهو أن الظروف المحيطة موجودة وحقيقية, أنا لا أقول ان كل شيء حولك مثالي ويساعدك على النجاح, لكن أسلوب استجابتك لتلك الظروف هو اختيار خاص بك وحدك, انت من تقرر كيف ستسخِّر تلك الظروف لمصلحتك وكيف ستعينك للوصول لهدفك
وسأُدعِّم كلامي هذا بعديد من الأمثلة الواقعية…
يمكن ان يكون فعلا الوضع الاقتصادي في مدينتك او دولتك غير مشجع لكن بالتأكيد هناك بعض الطرق والقنوات الشرعية التي يمكنك بسببها تسهيل حياتك أكثر, عليك فقط بالبحث عن تلك الأسباب والسعي فيها
يمكن ألا يكون لديك رأس المال الكافي لفعل أي شيء وهذا ليس عيبا, يمكنك وضع خطة للتوفير و تسديد ديونك او لزيادة دخلك وتطبيق تلك الخطة لفترة من الزمن ستجد أن مالك في ازدياد بفضل الله
إذا لم تكن تقدر على البدء بمفردك او كنت تفتقر للخبرة اللازمة يمكنك الاستعانة بأحد من ذوي الخبرة لكن احرص على اختياره جيدا, واحرص أيضا على ان تتعلم وتتقن ما يلزمك لكي تزداد خبرتك و درايتك بالأمور
يمكنك ألا تمتلك الوقت الكافي لفعل أي شيء جديد, اعلم أنه إذا كان هذا الشيء يهمك حقا حتما ستجد ولو بعض الوقت لممارسته وتعلمه يوميا, المسألة فقط هل انت شغوف حقا بهذا الشيء و تريد إنجازه فعلا ام لا
يمكنك ان تقنع نفسك ان العام القادم او الشهر القادم سيكون أفضل, لكن ان لم تتغير انت و تقوم بتبديل نظرتك للأمور بنظرة جديدة إيجابية فتأكد أنه لن يتغير أي شيء وسيبقى الوضع كما هو عليه لفترة طويلة, وانظر إلى تجربتك انت كم مرة ظننت أن هذا العام سيكون عامك ثم اتضح أنه مثل باقي الأعوام ولم يتغير شيء؟
كم مرة قررت أن تترك وظيفتك التي تكرهها ولا تجد ذاتك فيها لكنك لازلت تؤجل قرارك ظنا منك ان الاحوال يمكن ان تتحسن؟
بالتأكيد القرارات المصيرية تحتاج إلى خطوات محسوبة جيدا, لكنك للأسف لا تأخذ أي خطوة ولا تبادر أبدا لتحسين وضعك وتطوير نفسك, بل أنت تظل تحت رحمة هذا الوهم الكمالي أنك سوف تقوم بالفعل عندما تتحسن الظروف
عندما تشعر بالخوف من شيء ما, درب نفسك على فهم فحوى الرسالة التي يخبرك بها هذا الشعور لأن هذه الرسالة هي بالتأكيد لمصلحتك
إذا كنت تخشى الإقدام على الفعل لأنك تشعر بقلة ثقة في إمكانياتك, إذن فحوى الرسالة انك لابد ان تطور نفسك أكثر حتى تصير أفضل و أوسع حيلة
إذا كنت خائفا من الفعل لأنك تهاب تحمل المسؤولية وتخشى أن تقع في دائرة اللوم والنقد, يجب عليك أن تقوى أكثر من شخصيتك و تبدأ بإنجاز بعض المهام الصغيرة ثم تتدرج للمهام الأكبر وهكذا, عليك ان تثق أكثر في رؤيتك و تُذَكِّر نفسك دائما لماذا تريد ما تريده
إذا كنت لا تزال تهتم كثيرا لكلام الناس من حولك ونظرتهم لك, يجب أن تحب نفسك أكثر وتعلم ان هؤلاء لا يملكون من أمرهم ضرا ولا نفعا وأن رأيهم فيك لا يهم لأنهم ليسوا ملائكة ولا أحد يعلم حقيقتك إلا نفسك, واهتم فقط بنظرة الله لك إذا كنت تتوكل عليه حقا بالتأكيد سوف لن يضيع تعبك و يجزل لك العطاء
إذا كنت تخاف من التعب والمشقة في تحصيل أسباب النجاح, يجب ان تُجَزِّئ مهامك, ابدأ بالمهم و بما تستطيع فعله أولا ثم اترك الأقل أهمية أو غير المهم لما بعد, ويجب أن تكمل كل شيء بدأته, إذا لم تثق في قدرتك على إكماله فلا تبدأه من الأساس
إذا كنت تخاف من المقارنات الغير منطقية بينك وبين الناجحين ممن سبقوك بسنوات في مجالك, اعلم ان كل شيء لابد أن يبدأ صغيرا ثم يكبر مع الأيام, و انظر لهم كيف بدأوا و استفد من تجاربهم و افهم جيدا لماذا نجحوا وطبق ما تعلمته على نفسك
هذه هي رسالة الخوف الحقيقة, إعلامك و تنبيهك أن هناك شيء لابد أن تهتم به وتطوره في ذاتك لكي تصل لهدفك بأقل الخسائر, لكن للأسف كثيرا منا لا يفهم هذه الرسائل المتكررة و يظنون ان الخوف شيء سلبي يجب الهرب منه او تفاديه لأنه يشعرهم بالخزي والعار
طريقة تعاملك مع مخاوفك هي التي تحدد كيف تستفيد منها وكيف تُطَوِّع الظروف لصالحك
إذن انت أمام أحد الخيارين, إما أن تتعلم مواجهة مخاوفك وتتعامل معها على أنها مشاعر طبيعية وتفهم الحكمة من ورائها وتستفيد منها في تطوير ذاتك وتحسين حياتك
أو تظل تتجاهل تلك المخاوف ولا تعترف بها, فتظل تؤرق نومك وتقض مضجعك وتسلبك أي متعة في الحياة وأي شعور بالرضا, و إعلم حينها انك لن تتطور أبدا.
👈للاشتراك في دروس تطوير الذات بالقرآن الكريم 👉
👈الاشتراك في قناة د. إبراهيم عبد الواحد👉
برجاء تقييمك للمقالة في قسم التعليقات👇
جزاك الله خيرا. جدا جميل ومفيد كلام حضرتك.🌹🌹🌹
الله يكرمك ويجزيكي كل الخير ويبنفع بما تتعلمين 🙂
جزاك الله كل خير صحيح كل هذه الهواجس تراودني عندما اريد اجتياز امتحان الدكتوراه شكرا شكرا
جزاكي الله كل النجاح والتوفيق في رسالتك وبإذن الله ناجحة يا دكتورة 🙂