بسم الله الرحمن الرحيم المعين الميسر المدبر, والصلاة والسلام على سيدنا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام, نستكمل معا تدبر والعمل بآيات سورة البقرة ننتقل الى الآية…
إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ سَوَآءٌ عَلَيۡهِمۡ ءَأَنذَرۡتَهُمۡ أَمۡ لَمۡ تُنذِرۡهُمۡ لَا يُؤۡمِنُونَ (6)
هل رأيت قبل ذلك انسان مهما تحاول أن تقنعه بشيء منطقي, وتخبره بكل الادلة الصريحة الواضحة على صدق قضيتك, لكنه مع ذلك لا يستجيب لك ولا يريد أن يتزحزح أو يغير موقفه أبدا؟
هل كنت انت هذا الانسان في وقت ما من حياتك؟ مهما حاول الناس حولك أن يحذروك من شيء خاطئ تفعله لكنك بالرغم من ذلك تستمر في فعله؟ مهما رأيت حولك من أدلة دامغة على خطأ ما تفعل؟
إذن استفيد من هذه الآية درسين في غاية الأهمية, أولا هو ألا تضيع وقتك في اقناع شخص اتخذ قراره بالفعل, لأنك حتى ولو كنت تقول الحق وتحاول بكل الطرق شرح الموقف له بطريقة منطقية, فلن يقتنع ولن يستجيب لك أبدا مهما فعلت, فالأفضل أن تتوقف عن الجدال وتوفر طاقتك الغالية وتذهب لإقناع شخص آخر مستعد بالفعل لما تقول وقرر أن يفتح آذانه لك.
حتى في التجارة وعلوم التسويق والمبيعات, أفضل استراتيجية لتكون تاجر ناجح او بائع ممتاز هي أن تعطي كل تركيزك للعملاء المهتمون بما تقدمه بالفعل, ولا تضيع طاقتك في جذب عميل غير مهتم اطلاقا.
ثانيا وهذا هو الأهم, ألا تكون انت جامد الفكر, ولا تكون انت الشخص الذي قررغلق عقله عن أي شيء جديد, كن واثقا من نفسك ومن تفكيرك نعم, لكن إذا عرض عليك شخص شيء ما او فكرة جديدة وبدأ يخبرك أدلة منطقية على صحتها, فلا ضرر أبدا أن تفتح عقلك وتحاول اختبار هذه الفكرة بنفسك, ولا ترفضها لمجرد أنها ليست من تفكيرك الخاص, باختصار كن مرن في تفكيرك, وتعلم من خبرات ومهارات غيرك, ستكسب كثيرا إذا فعلت هذا.
خَتَمَ ٱللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمۡ وَعَلَىٰ سَمۡعِهِمۡۖ وَعَلَىٰٓ أَبۡصَٰرِهِمۡ غِشَٰوَةٞۖ وَلَهُمۡ عَذَابٌ عَظِيمٞ (7)
ما معنى الختم او الطبع على القلب؟
الختم من الله معناه الطبع, أي اغلاق المنافذ, فلا يدخلها أي خير, ولا يخرج منها أي شر, والعبد لا يصل لمرحلة الختم والطبع على القلوب والعقول والأسماع والأبصار, إلا بكثرة الذنوب والإصرار عليها.
مرة أخرى يتم الإشارة الى أهمية تقوى الله والبعد عن اتباع الهوى, لأن إذا أصر العبد على طاعة أهواءه مهما أرسل الله له من اشارات وتحذيرات, فقد استحق الختم والطبع والبعد عن ستر ورحمة ولطف الله, وحينئذ يصبح الرجوع الى الله أمرا شديد الصعوبة.
لذلك, تجنب الوصول لمرحلة الختم والطبع بكل ما أوتيت من قوة, اهتم بقلبك ألا يدخله ولا يتمكن منه حب إلا حب ما يرضي الله, وعقلك لا تدخله ولا تتكاثر فيه أفكار إلا ما كان لطاعة الله وما يحب الله, وسمعك لا يسمع إلا الكلمات التي ترضي الله وتزيدك حبا وذكرا لله, وبصرك لا ترى به إلا ما يزيدك قربا لله.
إذا فعلت ذنب ولم تقدر على مقاومة نفسك, فعليك بالتوبة في الحال, ولا تصر على الذنب, واشعر بالندم على ما فعلت, وافعل الكثير من الحسنات والخيرات التي تمحو هذا الذنب وتطهرك منه.
وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَقُولُ ءَامَنَّا بِٱللَّهِ وَبِٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِ وَمَا هُم بِمُؤۡمِنِينَ (8)
من هم منافقون العصر الحديث؟
لن اتكلم عن النفاق الذي هو اظهار الإيمان والتقوى, مع اخفاء الكفر والشر بمعناه المعروف الخاص بالإيمان بالله, لأننا جميعا والحمدلله مؤمنون بالله, لكن سأتكلم عن المعنى العام للنفاق في زمننا الحالي, وهو عدم مطابقة ما نؤمن به بأفعالنا وأخلاقنا وتعاملنا مع بعضنا البعض.
كم شخصا تعرفه يتمادى في اظهار التقوى والإيمان وتمسكه الشديد بالأخلاق الحميدة, لكن عندما تتعامل معه في شغل او مال أو أي صورة من صور العلاقات الإنسانية, وتقترب منه جدا, تجد أخلاقه بعيدة كل البعد عن اخلاق القرآن والإسلام؟
هؤلاء هم منافقون العصر الحديث ولابد أن تراجع نفسك جيدا ألا تكون منهم وانت لا تدري, لأن النفاق يسري في القلب بكل خفاء ويتنكر أحيانا كثيرة في صورة تقوى وإيمان, وقد يخدعك انت شخصيا فتظن انك من المتقين لكن في الحقيقة قد تمارس أعتى آيات النفاق وانت لا تدري.
تكلمنا قبل ذلك عن حملة القرآن الكريم, وهم الناس الذين ينتسبون للقرآن, لكن أخلاقهم لا تمثل القرآن اطلاقا فيفتنون الناس, وهؤلاء من أشد أنواع المنافقين, فإذا كنت منافق تظهر الإيمان والتقوى لكن أخلاقك تقول عكس هذا, فأنت تفتن الناس عن الدين أيضا.
كيف تحافظ على عاداتك وتلتزم بها؟
النفاق لا يكون في الإيمان والتقوى فقط, ولكن أيضا في تعاملك مع نفسك ومع الناس, عندما تقرر أن تمارس الرياضة بانتظام مثلا, ثم تتكاسل بعد أول يوم في التمرين, فانت بذلك ترسل رسالة لعقلك مفادها أنك غير صادق في قراراتك, وغير مهتم بصحتك, فتتعرض لسلسلة طويلة من القرارات المستقبلية التي تتراجع فيها أيضا, وتتعرض لمواقف تتدهور فيها صحتك.
أو إذا قررت ان تبدأ المذاكرة استعدادا للامتحان النهائي وتخصص كل يوم 4 ساعات المذاكرة بتركيز, ثم تفشل في مواصلة المذاكرة لاكثر من ساعة وتترك المذاكرة كلها بعد أيام قليلة, انت ترسل رسالة لنفسك انك غير ملتزم ولا تهتم بدراستك وحياتك العملية, فتصبح حياتك تجليا لهذا السلوك.
وهكذا مع كل قرارات حياتك, أو كل الأفكار والمبادئ التي تنادي بها, إن لم تكن سلوكياتك وأفعالك تجسيدا صادقا لما تقوله بلسانك, فأنت منافق, لأنك تتظاهر بشيء وتفعل شيء آخر.
عود نفسك أن تسير في حياتك مرفوع الرأس, إذا كنت غير مقتنع بشيء فلا تقوله ولا تتصرف على أساسه, وإذا اقتنعت به إذن فلابد أن يظهر في سلوكك, إذا أعطيت شخص كلمة أو وعد, فلابد أن تنفد وعدك مهما كلفك الأمر, إذا قررت البدء في تغيير حياتك والالتزام بفعل عادة ايجابية, فالتزم بها يوميا مهما كلفك الأمر حتى ولو لدقائق قليلة كل يوم لكن لا تتركها أبدا.
إن لم تتأكد من قدرتك على الوفاء بما تقول وتقرر, فلا تقوله أو تقرره أبدا, الأمر بهذه السهولة حقا وهذا ما يحبه الله منك, أن تقول وتفعل بما تؤمن به, لأنك حينها تكون صادقا مع نفسك ولكلمتك قيمة.
يُخَٰدِعُونَ ٱللَّهَ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَمَا يَخۡدَعُونَ إِلَّآ أَنفُسَهُمۡ وَمَا يَشۡعُرُونَ (9)
انتبه ألا تكون من الذين يخدعون أنفسهم
عندما يظن المنافق أو الكذاب أنه يخدع الناس, ويأخذ منهم كل الفوائد ولا يعطيهم شيء, فهو بذلك أذكى منهم أو أمهر منهم, لكن في الحقيقة أن كل شيء تفعله بنية خداع غيرك وأخذ حق ليس من حقك فأنت لا تخدع إلا نفسك, ولا تشعر أن كل الحقوق التي أكلتها وأخذتها ظلما سواء بالقوة او الحيلة, سوف يقتصها الله منك ويعذبك بها في حياتك قبل مماتك, في وقت يكون فات فيه زمن الرجوع والتوبة ولن يصبح لندمك فائدة.
فنتبه تماما للحقوق التي تأكلها, اعتذر لمن ظلمته ورد له حقه, تصدق وافعل الكثير من الخير بنية التكفير عن ذنوبك في حقك نفسك وفي حق غيرك, انتبه لنفسك وكن من المتقين قبل فوات الأوان.
فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٞ فَزَادَهُمُ ٱللَّهُ مَرَضٗاۖ وَلَهُمۡ عَذَابٌ أَلِيمُۢ بِمَا كَانُواْ يَكۡذِبُونَ (10)
المرض في قلوب المنافقين, هو حب الدنيا والشهوات ونسيان الآخرة, مثل حب الظهور وجذب الاعجاب, او حب الشهوات الجسدية على اختلاف أنواعها والاطمئنان بها, والسعي وراء تحقيق اكبر قدر من المتع الجسدية كل يوم, او حب الجاه والمنصب والسلطة والتحكم في الناس, او حب المال والجشع وكنز الثروات في الحسابات البنكية المختلفة, والانتفاع بالمال في امتلاك العديد من الممتلكات سواء بالحلال أو بالحرام.
لا تظن أبدا أن المنافق الذي يتكالب على حب الدنيا سعيد او مطمئن بأي شكل من الأشكال, لأنه يعرف جيدا أنه أخذ الكثير بدون وجه حق, فيخاف أن يفعل فيه الناس مثل ما فعله بهم, أو يخاف من زوال كل ما جمعه بسبب خطأ يمكن أن يرتكبه, أو بسبب عدو يترصد له.
وإذا وجد الله في قلب العبد الإصرار على حب الدنيا ونسيان الآخرة, مهما أرسل الله له من اشارات, فيسلمه الله الى نفسه وشهواته, ويزيده من حب الدنيا ويفتنه أكثر بها ويجمع له المزيد من همومها وأوجاعها.
سجل ايميلك واحصل على طريقة الكتابة لتغيير واقعك
غير حياتك بنور القرآن مع لايف كوتش ابراهيم واشترك في التدريب الشخصي 3 شهور