تطوير الذات بالقرآن الكريم (16) – المخاطرة المحسوبة وحب التغيير

وقت القراءة: 6 دقائق

بعد قراءتك لهذا الدرس ستتعلم:

1/ ماذا تفعل إذا صادفك شيء يفوق طاقتك؟

2/ ما هي منطقة الراحة وكيف تخرج منها؟

3/ لماذا يجب عليك طلب العلم من أهله دوما ولا تغتر؟

4/ ما معنى المخاطرة المحسوبة ولماذا هي شيء إيجابي؟

5/  ماذا تفعل إذا لم يكتب لمخاطرتك النجاح؟

6/ ما الفرق بين المخاطرة المحسوبة والمقامرة؟

7/ كيف تحب التغيير ولا تقاومه؟

بسم الله نبدأ…

أثناء سعيك وأخذك بالسبب المتاح ستجد أن هناك بعض الأسباب تفوق مقدرتك, و أنك بحالتك الحالية لا تستطيع القيام بها, هذا أمر طبيعي لأنك مازلت في دائرة راحتك فحتما هناك بعض الأفعال تتطلب منك مجهودا أكبر لم تعتد عليه بعد

يمكنك أن تطلق على هذه الأفعال التي تفوق طاقتك تحديات, مصاعب, أو عقبات, التسمية لا تهم كثيرا المهم هو كيف تراها وكيف تتعامل معها

هل تراها أمر مستحيل عليك أداءه إلا بمعجزة؟ أم تراها أمر صعب لكن بالتأكيد يوجد له حل ومهمتك أن تسعى في إيجاده؟ 

ماذا تشعر عندما تتعرض لهذا التحدي؟ هل تشعر بالنقص وانعدام الكفاءة؟ أم تشعر أنها فرصة كي تتعلم شيء جديد وتصير أكثر خبرة؟ 

قلنا قبل ذلك و سأكررها دائما, طريقة نظرك للأمور هي مفترق الطرق بالنسبة لك, كيفما تقرر أن ترى هذا التحدي في عقلك و كيفما تقرر أن تتعامل معه في حياتك هو ما سيحدد النتيجة النهائية التي تحصل عليها

إذن من الأفضل لك عند تعرضك لمشكلة ما أثناء سعيك ألا تجزع او تفقد الأمل, لكن عليك أن تستقبلها بطيبة نفس وهدوء أعصاب و تنظر للأمر كيف تستطيع الوصول للحل الذي يقربك من هدفك أكثر

هذا أيضا جزء أساسي من مفهوم التوكل على الله, أن تستعين بالله وتطلب مساعدته دائما في كل أمورك خاصة الأمور التي تفوق مقدرتك

لا تسمح لخوفك أن يتغلب على ثقتك بالله, هذا التحدي الذي وضعه الله في طريقك إنما هو اختبار لصدق نيتك و صدق توكلك على الله, وفرصة ذهبية لك لكي تتعلم شيء جديد و تتطور أكثر 

واعلم تمام العلم أن الله لن يرسل لك هذا التحدي إلا لأنه يعلم بقدرتك على تخطيها

“وَلَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا ۖ وَلَدَيْنَا كِتَابٌ يَنطِقُ بِالْحَقِّ ۚ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ” (62 المؤمنون)

واعلم أيضا أن الله لا يرسل لك المشكلة إلا ومعها الحل عليك فقط بالبحث والأخذ بالأسباب 

“فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (5) إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (6)” (الشرح)

إذن أقبل التحدي تماما كما تتقبل مخاوفك, اعترف بوجودها ولا تنكرها أبدا وانظر إلى الرسالة والحكمة من ورائها, ثم خذ بالسبب المناسب كي تصير أكثر قدرة 

يمكن أن تصاب بالحيرة لبعض الوقت لأنك مازلت لا تعلم ما هو السبب المناسب, لكن تحلى ببعض الصبر والثقة بالله واحسن الظن بالله أنه حتما سيهديك للحل والسبب الصحيح في الوقت الصحيح

الأمر يتطلب منك فقط بعض الإيمان 

انظر لحياتك الشخصية, كم تحدي مر عليك وكنت لا تمتلك أي فكرة عن كيفية تخطيه ثم أوجد الله لك مخرجا من حيث لا تحتسب؟ 

فقط آمن, لا تعجز, وخذ بكل الأسباب التي في استطاعتك الأن حتى يسوق الله لك السبب المناسب الذي يعينك على تخطي هذا التحدي

في كثير من الأحيان ستجد أن هذا السبب المناسب يتطلب منك فقط  بعض المخاطرة, كتجربة شيء جديد مثلا, او الذهاب إلى مكان مختلف, أو سؤال شخص لا تعرفه, هذه المخاطرة تدفعك لمغادرة منطقة راحتك 

منطقة راحتك ليست بالضرورة المكان الذي تعيش فيه واعتدت عليه, إنما معناها أوسع من ذلك ويشمل كل الأفكار والعادات وردود الأفعال التي تبنيتها لمدة طويلة من الزمن حتى أصبحت جزءا منك وأصبح فعلها سهلا جدا عليك وإذا طُلِبَ منك فعل أي شيء مختلف تشعر فورا بعدم الراحة وتقاوم بشدة 

لكن التطور الحقيقي مختلف تماما عن ذلك, إذا أردت فعلا تطوير ذاتك وتحسين حياتك لابد أن تدرب نفسك على الخروج من منطقة راحتك ولو قليلا, درب نفسك ألا ترفض التغيير وألا تقاومه فورا دون فهم و دون تجربة لمجرد أنه شيء جديد ومختلف عما كنت تقوم به

هذا له علاقة أيضا بوهم الكمال, انت تظن أنه لكي يكون الشيء صحيحا لابد أن يكون مناسبا لك وألا يختلف كثيرا عما اعتدت عليه, لكن هذا ليس حقيقيا بالمرة, لأنه في أحيان كثيرة يكون أفضل شيء لك هو أمر انت غير معتادا عليه 

و في ذلك حكمة ربانية ألا تثق كثيرا في عقلك للحد الذي تظن انك تعلم كل شيء ولا يوصلك غرورك للظن أنه من الأفضل ان يسير كل شيء على هواك والله أعلم

“وَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ۖ وَعَسَىٰ أَن تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ” (البقرة 216)

افهم ان عقلك مهما كنت ذكيا فهو محدود و ان فوق كل ذي علم عليم, فلا تغتر أبدا بمهاراتك و امكانياتك لأن هذا الغرور هو بداية السقوط 

و على العكس تماما يجب عليك ان تتعلم باستمرار و تطلب العلم من أهله ولا تتكبر أبدا على المعلومة مهما كان علمك و اسع جاهدا لتعلم ومعرفة كل شيء جديد في مجالك من شأنه أن يقربك لهدفك أكثر

باختصار شديد, من يصلون لأهدافهم يعرفون أكثر ممن لا يصلون, هذا الشخص إنما سبقك لهدفه لأنه يعلم شيء انت لا تعلمه, مهمتك الوحيدة والأساسية أن تظل تتعلم و تختبر ما تعلمته و تبتكر أسلوبك الخاص للوصول لهدفك

و إذا واجهت أي تحديات درب نفسك على المخاطرة المحسوبة, مخاطرة عن علم ودراية وتأني, ليست عن جهل وتسرع, لا تخاطر إلا عندما تأخذ بكل الأسباب المتاحة أولا, وعندما تستطيع تحمل نتائج تلك المخاطرة إذا لم يكتب لها النجاح

حدد النتيجة الإيجابية التي تريد الحصول عليها من المخاطرة, احسب كل الخسائر المحتملة, ارسم لنفسك خطة عمل مناسبة لتفادي او تقليل تلك الخسائر وكيف ستتعامل معها, ثم خذ بالأسباب و توكل على الله   

و في كل الأحوال سواء نجحت مخاطرتك أم لا, ستكون قد تعلمت شيئا جديدا تبني عليه في المستقبل و فزت باحترامك لنفسك لأنك تعلم أنك لم تقصر و سرت في الطريق الصحيح لهدفك, ستشعر أنك أقوى من ذي قبل لأنك تشجعت و قمت بتجربة ما يعجز الكثيرون عن مجرد التفكير فيه

اعلم أنه لا يوجد أي تغيير إيجابي يمكن أن يحدث في حياتك دون مخاطرة, لكنها كما اتفقنا مخاطرة محسوبة 

كثيرا منا يظن أن الشخص المخاطر بطبعه هو إنسان لا يخاف مطلقا ولا يهتم بأي شيء وهذا يمكن أن يكون حقيقيا لكن هذا النوع من المخاطرة أقرب للمقامرة ولا يمكن أن يأتي بنتائج إيجابية على المدى الطويل بل يمكن أن يدمر صاحبه تماما

لكن المخاطرة المحسوبة هي أمر محمود و ضروري أنت مطالب به إن كنت فعلا تنوي لحياتك أن تتغير ولذاتك أن تتطور, لأنها تدفعك لأخذ الحيطة والتخطيط الجيد ثم الأخذ بالأسباب والاتكال على الله  

المخاطرة المحسوبة شيء إيجابي لأنها تعطيك الفرصة لتعلم أشياء جديدة, وتعطيك هذا الشعور الجميل بالإثارة وترقب النتائج, لكن المقامرة تعطيك شعورا بالخوف لأنك لم تأخذ بالأسباب كما يجب واتكلت فقط على الحظ 

المخاطرة المحسوبة أول الأمر تعطيك شعورا بعدم الأمان وبالتأكيد تحتاج لبعض الوقت والمجهود حتى تعتاد على هذا الشعور لأنه خارج منطقة راحتك, لكن حين تعتاده بفضل الله وتنظر لروعة النتائج ستجد أنك أصبحت أكثر ارتياحا وأن منطقة راحتك قد اتسعت شيئا فشيئا, ومع مزيد من الأخذ بالأسباب و المخاطرة المحسوبة ستكتشف أنه من الأفضل ألا يكون لك منطقة راحة من الأساس لأن العيش داخل تلك المنطقة يسلبك فرص كثيرة للتطور والنمو 

حينها انت من سيطلب مغادرة منطقة راحتك, لأنك رأيت مقدار الروعة الذي ينتظرك خارجها 

درب نفسك من حين لآخر على تجربة أشياء جديدة تفعلها لأول مرة, او تعلم شيء جديد مختلف كليا, او فعل شيء ما كنت تظنه مستحيلا, لهذا أكبر الأثر في تطوير شخصيتك وزيادة ثقتك في نفسك وفي قدراتك

خذ حماما باردا في الشتاء, اقرأ كتاب في موضوع جديد عليك, سافر لمكان جديد, تعرف على أشخاص جديدة, العب تمارين رياضية مختلفة, جرب ذوق جديد في الملابس, ضع عطرا مختلفا, جدد شكل غرفتك, تسوق من مركز تجاري جديد, جرب وصفات جديدة للطبخ, جرب أطعمة جديدة من ثقافات مختلفة…

الهدف من هذه الأفعال الجديدة هو إثبات لنفسك أنك تستطيع أن ترتاح خارج منطقة راحتك وأن التغيير والتجديد ليس بأمر سيء بل هو أمر محمود بل وضروري في معظم الأحيان.

👈للاشتراك في دروس تطوير الذات بالقرآن الكريم 👉

👈الاشتراك في قناة د. إبراهيم عبد الواحد👉

برجاء تقييمك للمقالة في قسم التعليقات👇

Comments

    1. Post
      Author

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *