بعد قراءتك لهذا الدرس ستتعلم:
1/ ما هي الخطوة العملية الثانية في تطوير الذات بالقرآن الكريم؟
2/ لماذا هذه الخطوة بالذات هي الأساس ودليل مصداقيتك في تطوير ذاتك؟
3/ لماذا حفظ ما تيسر من القرآن واجب على كل مسلم يريد تطوير ذاته؟
4/ ما أهمية حفظ سورة البقرة بالتحديد؟
5/ ماذا تفعل إذا استصعبت حفظ القرآن؟
بسم الله نبدأ…
في الدرس السابق عرفنا قيمة وأهمية المحافظة على الورد اليومي من قراءة القرآن وجعلها عادة يومية أساسية, وأن هذه هي الخطوة العملية الأولى
الآن وفي هذا الدرس سنعرف الخطوة العملية الثانية والتي تعتبر أهم خطوة ودليل مصداقيتك في تطوير ذاتك
هذه الخطوة هي الأساس الصلب والمتين لشخصيتك الجديدة وكلما اهتممت أكثر بالأساس كلما أرحت نفسك فيما بعد
القيام بهذه الخطوة ليس سهلا ويمكنه ان يشعرك بالتهديد وعدم الجدوى
لكن فقط عليك الوثوق أن القيام بهذه الخطوة والمثابرة عليها هو المفتاح لكل شيء
الخطوة العملية الثانية: لابد من حفظ ما تيسر من القرآن إذا أردت فعلا تطوير ذاتك
و لكي أكون محدد أكثر, عليك حفظ سورتي البقرة, وآل عمران
يمكنك طبعا فيما بعد حفظ ما تشاء, لكن في البداية ابدأ بسورة البقرة, وعند إتمام حفظها انتقل الى آل عمران
بعد قليل سأشرح لك لماذا هاتين السورتين بالتحديد, لكن الآن على اقناعك لماذا يجب عليك حفظ القرآن من الأساس؟
لابد ان اقول لك الحقيقة, التي لن تسمعها في أي مكان, وهي ان حفظ ما تيسر القرآن واجب وفرض على كل مسلم, ليس فقط مستحب او شيء محمود, ولكن واجب وفرض
كلنا نعلم أركان الإسلام, الحلال والحرام, الشعائر الإسلامية والعبادات, ونعلم ان حفظ القرآن ليس من الفروض الواجبة في الإسلام ,وأنا لا أقول ان تارك حفظ القرآن آثم او عاصي لا سمح الله, ولكني أقول ان حفظ ما تيسر من القرآن أمر واجب وفرض على كل مسلم يريد فعلا القرب من ربه ويريد حقا تطوير ذاته
دليلي على هذا أيضا من القرآن الكريم, اثناء حفظي لسورة القمر, لاحظت تكرار آية “وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ” مرات عديدة, قلت في نفسي ان تكرار هذه الآية لابد ان يكون ذو مغزى, توقف قليلا وبدأت أتدبر واتأمل
قمت بربط هذه الآية بتجربتي الشخصية مع القرآن, ورأيت كيف ان حياتي وشخصيتي تغيرت كثيرا عندما قررت حفظ ما تيسر من القرآن, وفكرت فعلا ان الله قد يسر لي حفظ القرآن وتدبره
وانه في البداية فعلا كنت اجد بعض الصعوبات في الحفظ والتذكر, لكن مع المثابرة والاستمرار وجدت ان حفظ القرآن في منتهى السهولة, خصوصا إذا شغلت عقلك به
ستجد ان الآيات كلها في سورة ما مترابطة ومتصلة ببعضها, و أن هذا الترابط يساعد حقا على الحفظ
ستجد ان الآية تسلمك للآية التي بعدها في سلاسة وأسلوب بليغ وسهل
وبهذه الطريقة وجدت اني قمت بحفظ كثير من السور, وهنا فهمت لماذا قال الله أنه يسر لنا القرآن, لأني اختبرت هذا التيسير بالفعل
وعلمت حقا أنه مادام الله قد يسر لنا تذكر القرآن وتلاوته, إذا فهذه دعوة منه لحفظ القرآن, إذ يقول الله “فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ” أي معناها هل من أحد يتذكر ويحفظ القرآن؟
هل من متدبر للقرآن؟ هل من أحد يعيش بالقرآن؟
الله عز وجل يشجعنا ويدعونا لحفظ القرآن والعيش به, والدليل أنه سَهَّلهُ علينا
وهذا أيضا وعد الهي, أنه إذا بدأت ياعبدي في قراءة و تدبر وحفظ القرآن ستجد اني سهلته عليك, فقط ابدأ وتوكل على الله
ومن دلائل سهولة حفظ القرآن الكريم أيضا, هو استطاعة الطفل الصغير ان يحفظ القرآن كاملا حتى و إن لم يكتمل عقله بعد
ستفكر ان الطفل الصغير ما زال عقله فارغا ويمكنه حفظ أي شيء, أما أنا فقد تقدم بي العمر وصار عقلي مشغولا بأمور كثيرة, سأقول لك انك غير مطالب بحفظ القرآن الكريم كله, ولكن فقط ما تيسر لك منه, وتحديدا ابدأ بحفظ سورة البقرة
حتى أصحاب اللسان غير العربي يجاهدون أنفسهم للحفظ لأنهم وجدوا فيه الحلاوة, فما بالك بسهولة الحفظ على صاحب اللسان العربي؟
بداية سوف تشعر ان حفظ القرآن أمر صعب, ستنظر لعدد الصفحات وتبدأ نفسك بمحاولة اثنائك ومنعك, هنا اختبر قوة ارادتك هل تريد ان تتغير فعلا ام تريد نفس الحياة ونفس التجارب الغير مُرضية؟
بكل بساطة, لا تأمل في تطوير ذاتك بالقرآن الكريم دون حفظك لما تيسر من القرآن الكريم, لأن حفظك هو أكثر وأهم معين لك في تطبيق القرآن في حياتك عمليا
عندما تكون مجرد قارئ للقرآن, سيفتح الله عليك بتجليات ومعاني, واذا طبقتها حياتك ستتغير, لكن كلنا معرضون للنسيان او للغفلة بين حين وآخر, يمكنك ان تنسى المعنى الذي تدبرته او ببساطة تنسى تطبيقه او لا تعرف السبيل الصحيح لتطبيقه
لكن كل هذا يختلف إذا قررت ان تكون من الحافظين, لأن التكرار والحفظ سيثبت الآيات ومعانيها في عقلك وبالتالي سيصبح تطبيق تلك الآيات عمليا أمر طبيعي
من اختار ان يحفظ القرآن أراد أن يرتقي الدرجات العلا, أراد التميز والتفرد, حفظ القرآن من أقوى علامات علو الهمة والطموح وقوة الشخصية
عندما تكون حافظا لكتاب الله, ستجد ان تفكيرك أصبح أكثر تنظيما, وعقلك أصبح أكثر ذكاءا وحدة, وذاكرتك أكثر قوة, وكلامك أكثر ثقة ووضوح لأنك تتكلم بالقرآن
حفظ القرآن من علامات مجاهدة النفس والرغبة في تطهيرها, لأنه مع كثرة الحفظ ومراجعة الآيات ستحتاج الى همة عالية ومجهود كبير على المواصلة والتذكر
في الدرس السابق شرحت لك كيف ان الله عز وجل سيفتح عليك ببعض التجليات اثناء قراءتك لوردك اليومي من القرآن حتى إذا لم تكن منتبه لما تقرأ
الآن تخيل معي الفتح العظيم الذي سيفتحه عليك الله -بإذن الله- إذا أصبحت حافظا وليس مجرد قارئ للقرآن, لأن الحافظ بالتأكيد سيعيد الآيات ويراجعها مرات عديدة
ومع الوقت ستصبح تلك الآيات جزء من عقله وتفكيره ومن شخصيته إذا أحسن تدبرها والعمل بها
ولن يعينك شيء على التدبر والتأمل أكثر من الحفظ والمراجعة المستمرة
ستصبح أكثر تحكما في نفسك إذا حفظت القرآن
ستصبح أكثر ثقة في نفسك إذا حفظت القرآن
ستصبح إنسان ذو إرادة قوية إذا حفظت القرآن
ستصبح أكثر احتراما وتقديرا لنفسك إذا حفظت القرآن
ستشعر حقا ان كلام الله بداخلك, أي روعة أكثر من هذا؟
لقد تغيرت حياتي في اللحظة التي قررت فيها حفظ القرآن, بطريقة لم أكن أتخيلها
أحسست ان القرآن قد قام بإزالة طبقة سميكة من الصدأ تكونت على عقلى عبر السنين, أحسست بخفة وطلاقة في التعبير
لقد بدأت بحفظ سورة الأعراف لحبي الشديد لها عندما سمعتها بترتيل الشيخ عبد الباسط عبد الصمد رحمه الله, تلاوة لمست قلبي وكياني فقررت ان ابدأ بحفظها
ثم بعد اتمامي لها انتقلت الى سورة محمد,الكهف, آل عمران, النحل, الإسراء, القمر, الدخان, ثم البقرة
لكن لم اكن اعلم حينها أنه من الافضل ان أبدأ بحفظ سورة البقرة, كنت فقط أسير وفق احساسي
و الآن سأخبرك لماذا سورة البقرة بالتحديد؟
أولا, فضل قراءة وحفظ سورة البقرة مذكور ومعروف في الأحاديث الصحيحة والسُنة النبوية, تسمى فسطاط القرآن لكثرة ما تحتويه على أمور الآخرة وأمور الدنيا, تسمى سنام القرآن لأنها أطول سور القرآن ولأنها اشتملت على العديد من الأوامر والنواهي, وفيها أعظم آيات القرآن وهي آية الكرسي, وفيها أطول آيات القرآن وهي آية الدَين, وفيها الكثير من القصص والعبر
كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم, “أخْذَها بركةٌ، وترْكُها حَسرةٌ”
مجرد قرائتها تعطيك بركات لا حصر لها, وتفتح عليك افكار وتجليات,عديد من الناس تغيرت حياتهم بالكامل وانتقلوا من حال إلى حال مختلف تماما لمجرد مواظبتهم على قراءة سورة البقرة
فما بالك إذا قمت بحفظها, وإذا كررت الآيات وراجعتها أكثر من مرة لكي تثبت في عقلك وتصير جزء منك, تكون البركة مضاعفة أضعافا كثيرة بإذن الله
ابدأ بحفظ سورة البقرة وانظر كيف سيرشدك الله إلى أمور لم تكن على بالك, وراقب كيف سيغير الله حياتك كلها بالتدريج وبلطف شديد, كل ماعليك هو المثابرة والاستمرار على حفظها ومراجعتها حتى تتمكن منها, وكن صبورا على نفسك وابدأ لحفظ القليل ولا تتوقف
ولا تسمح لظنك الخاطئ ان ما فائدة حفظ سورة البقرة وانا عاصي وافعل كذا وكذا؟
مهما فعلت او لازلت تفعل, سورة البقرة ستقوم بتنظيفك و تطهيرك شيئا فشيئا لكن فقط انوى خيرا وابدأ, وتوقع نتائج مذهلة بإذن الله
ثانيا, لأول وهلة سورة البقرة سوف ترهبك بطولها و بآياتها الكبيرة, لذلك لا يقرر حفظها ومجاهدة نفسه عليها إلا أصحاب الشخصية القوية وذوو الرغبة الصادقة في التغيير
قرارك حفظ أطول سورة في القرآن الكريم هو تحدي صعب وهو أيضا دليل صدقك هل فعلا تريد تطوير ذاتك وتحسين حياتك أم لا؟
اعلم جيدا, أن الأشياء الجميلة والعظيمة لابد ان تتعب وتعمل بجد للحصول عليها, و ان الأشياء التي تأتي بسهولة هي أغلب الظن رخيصة ولا تستحق
إذا أردت فعلا تطوير ذاتك تطورا دائما, تطور أصيل نابع من ذاتك, وإذا أردت فعلا تحسين حياتك تحسينا حقيقيا وليس في عالم الخيال, لابد ان يكون جهدك منظم وحقيقي وفي الاتجاه الصحيح
لابد ان تتحدى نفسك وتخرج بعيدا عن منطقة راحتك ولو قليلا
وبالنسبة لتطوير الذات بالقرآن الكريم, فحفظك سورة البقرة هو أكبر تحدي سوف يثبت صدق نيتك في التغيير
و اذا صدقت نيتك فالنتيجة الإيجابية بإذن الله مضمونة
لكن لا تتوقع أي تغيير او تطوير وانت تفعل نفس الأشياء التي اعتدت فعلها طوال السنوات الماضية, وتظل تكرر نفس العادات السيئة التي أوصلتك لحالة عدم الرضا عن نفسك
قرر الآن انك سوف تبدأ في حفظ سورة البقرة بإذن الله وأنك سوف تثابر عليها
وبإذن الله بعد اتمامك حفظ سورة البقرة وتمكنك منها, انتقل إلى سورة آل عمران إذ أنها تعتبر امتداد طبيعي لسورة البقرة
لكن الآن عليك التركيز تماما على حفظ ومراجعة سورة البقرة فقط
وستكون هذه هي خطوتك العملية الثانية والمهمة التي ستضع الأساس القوي والسليم لتطوير ذاتك وتحسين حياتك بالقرآن الكريم.
👈للاشتراك في دروس تطوير الذات بالقرآن الكريم 👉
👈الاشتراك في قناة د. إبراهيم عبد الواحد👉
برجاء تقييمك للمقالة في قسم التعليقات👇