تطوير الذات بالقرآن الكريم (2) – نقطة التحول

بعد قراءتك لهذا الدرس ستتعلم:

1/ كيف تفرق بين مدرب تطوير ذات متميز وآخر لا يستحق وقتك؟

2/ من أين يأتي التغيير الحقيقي للنفس؟

3/ ماهي اللحظة الفارقة التي بدأت حياتي تتغير بعدها وكيف تم هذا؟

4/ ماهي الآية من سبع كلمات التي اذا فهمتها وطبقتها عمليا ستغنيك عن قراءة عشرات كتب وكورسات التنمية البشرية؟

5/ ماهو الأفضل لتطوير ذاتك وحياتك القرآن الكريم ام كتب تطوير الذات الاعتيادية؟

بسم الله نبدأ…

اثناء قراءة وردك اليومي من القرآن الكريم, ستجد ان بعض الآيات لمست قلبك وشعرت أنها موجهة اليك انت بالذات

ستجد انك فهمت معنى من هذه الأية لم تفهمه من قبل ولم يخطر على بالك, لأنك لم تكن منتبه او ببساطة لأنك لم تكن بحاجة هذا المعنى في حياتك في ذلك الوقت

عظمة القرآن الكريم ان عطاءه متجدد ومختلف من شخص لآخر ومن وقت لآخر,و انك اذا تدبرت معانيه حتما سوف تجد ضالتك مهما كانت المشكلة التي تعاني منها او السؤال الذي يؤرق ذهنك

بالنسبة لي, فقد حاولت منذ سنين طويلة ان أتقن مهارة التفكير الايجابي, ان ادرب نفسي على رؤية الفرصة في المشكلة, او ان أغير المحنة الى منحة, ولكن في معظم محاولاتي كانت تعود الأفكار والمشاعر السلبية للسيطرة على عقلي 

قرأت العديد من كتب ال Motivation و ال Positive Thinking, واستمعت للعديد من فيديوهات المدربين المعروفين أملا في ان أجد الحل السحري الذي يحولني الى إنسان واثق وايجابي ولا يهتز أبدا مهما كانت الظروف والذي بطريقة او بأخرى يجد حل لكل مشكلة ويستطيع الخروج من كل مأزق يتعرض له

هل تعلم مثل هذا النموذج السوبرمان الذي يستميت كل مدربين ال Motivation في تسويقه لنا على اساس ان هذا هو النموذج الأمثل الذي لابد لأي إنسان يحترم ويحب نفسه ان يكون عليه وأن يسعى جاهدا للوصول لهذه الصورة ال SuperHero؟

كائن روحاني شفاف يفكر في أي شيء فيحدث في الحال, إنسان يستطيع ان يصل لأي حلم بأقل مجهود, شخص ما في عالم الخيال يستطيع الفوز على الجميع ولا يخسر ابدا

إنسان متفوق في كل شيء ومتميز في كل شيء, وأن هذا هو الهدف والقصد الذي يريده لنا الله, ان نكون كلنا هذا الشخص السوبر وان هذا هو حقنا منذ ولادتنا 

واذا -لا قدَّر الله- لم تستطع الوصول لهذا النموذج السوبر فأنت فاشل والعيب فيك انت, ولابد ان تغير نفسك المعيبة من الداخل وتعمل على تغيير كل الافكار السيئة التي اكتسبتها من مرحلة الطفولة الى الأن وتستبدلها بأفكار اخرى ايجابية حتى تكون لك فرصة للنجاح في هذه الحياة

نتفق ان الانسان العاقل إذا رأى في نفسه شيء سيء وثبت له بالتجربة ان هذا الشيء يؤدي به لنتائج غير مرغوبة, فعليه ان يبدأ بتغيير هذا الشيء داخله إذا كان يريد نتائج مختلفة 

لكن التغيير الحقيقي والفعال لا يكون ابدا بهذه الطريقة القاسية على النفس والمُحقِّرة لها, اذ كيف تنتظر من نفسك أي نتائج ايجابية وانت دائما تلوم نفسك على كل كبيرة وصغيرة ولا تتقبل افكارك السابقة التي هي من صنع يديك ودائم الرفض لواقعك الحالي؟

التغيير الحقيقي لابد ان يكون من موقع حب واحترام للنفس وارادة الخير لها, ليس من موقع امتعاض و كُره او رفض لحالك الذي انت عليه الآن

ببساطة, انت تحب نفسك وترى ان هذا التغيير في مصلحتها, إذن ستقوم بهذا التغيير بنفس راضية (في دروس لاحقة سنشرح بالتفصيل كيف تحب نفسك حقا)

لكن للاسف اغلب ال Motivational Speakers لايجدون إلا هذه الطريقة القاسية لدفعك الى التغيير, بمعنى انهم يقنعوك دائما انك مليئ بالعيوب والنواقص ولابد لك من تغيير كل شيء في نفسك الآن وانهم فقط من معهم مفتاح سعادتك, وهم فقط من يملكون خريطة الوصول لهذا النموذج السوبر وانك ينبغي عليك الاستماع إليهم

لا تسمع ابدا لمن يقنعك ولو للحظة انك معيب, او ان فيك شيء خطأ وأنه هو من يملك الحل السحري لمشاكلك, اذا ان هذا الانسان في حقيقة الأمر يريد استغلالك بتسليط الضوء على مناطق قصورك لكي ترتاب في نفسك ويجعلك تسير وراءه دون تفكير او اعتراض

وبالطبع الهدف من كل هذا هو ان تصير تابع له و تستثمر اموالك معه وتثق به ثقة عمياء, وكلما زاد عدد الاتباع كلما زادت قوة هذا الشخص, إذ ان قوته لا تأتي من داخله وإنما من ضعف التابعين له

لقد ظللت لسنوات طويلة تحت هذا الظن الخاطئ, تحت رحمة هذا النموذج المستحيل الذي مهما حاولت لا استطيع ابدا حتى الاقتراب منه, ودائما أظن ان الحل سيكون في الكتاب القادم او في الكورس القادم للمدرب او المتحدث فلان

لسنوات طويلة وثقت في الأخرين ولم اثق في نفسي, سمعت كلام المدربين ولم اتشجع لحظة واسمع لنفسي, ويالها من خيانة عظمى للنفس

وفي لحظة ما دون أي تخطيط مسبق, قررت اني سأبدأ في حفظ ماتيسر من القرآن, و اثناء الحفظ كان لابد من تكرار الأيات كثيرا, ومع هذا التكرار بدأت معاني الأيات تتجلى واضحة في رأسي

تكرار الأيات أدى الى فتح طرق وخلايا عصبية جديدة, بمعاني جديدة كليا كانت غائبة عني او تناسيتها مع الايام, و كلما زاد الحفظ زادت الطرق اتساعا و اضاءة, وزادت الروابط بين الخلايا العصبية

و مع الوقت بدأت اشعر فعلا بالتغيير يحدث داخلي, الانماط القديمة في التفكير بدأت تتلاشى ويحل محلها أنماط جديدة أكثر إشراقا

بدأت الاحظ ان تفاعلي مع الأشياء اختلف, وان نظرتي لواقعي الحالي اختلفت, الأشياء الصغيرة التي كانت تفسد علي يومي أصبحت الأن كغثاء السيل لا الاحظ وجودها من الاساس

لاحظت اني صرت أكثر قدرة على تحويل الظروف و تطوير اساليب جديدة ايجابية للنظر الى الأمور, وصرت أكثر تحكما في افكاري

والمفارقة الكبرى, هي اني بدأت الاحظ كل هذا ولم أعلم مطلقا سبب هذا التغيير المفاجئ و لماذا الأن بالذات صرت هكذا؟

لفترة طويلة واظبت فيها على حفظ القرآن وتدبر معاني الآيات, لكن لم اربط ابدا بين هذا الحفظ وهذا التدبر وبين التحسن الواضح في نفسيتي والذي بدأ يظهر جليا في تحسين حياتي 

الى ان جاء يوم تعرضت فيه لمشكلة ما مثل أي مشكلة نتعرض لها في حياتنا اليومية, ان يحدث شيء ما على عكس مرادك مثلا, وجدت نفسي أردد بيني وبين نفسي “وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم” وفي نفس اللحظة بدأت أشعر بارتياح غريب 

الغرابة تأتي لأني من النوع الذي يفكر كثيرا جدا ولست معتادا ابدا على اراحة عقلي بمجرد تذكري لآية, لكن في هذا الوقت بالتحديد عندما تذكرت هذه الآية, تذكرت المعنى الذي تدبرته منها والذي تم ربطه في عقلي و أصبح قضية عقلية منتهية, فارتاح عقلي فورا

هذا المعنى هو: ان الله يعلم وأنا لا أعلم, وأني اذا أردت شيئا ما وظننت أنه خيرا لي, فالله يعرف الحق لا الظن, ويعلم تمام العلم إذا كان هذا الشيء في مصلحتي ام لا, واذا كان في مصلحتي فإنه أيضا يعلم الوقت المناسب لحصولي على هذا الشيء, وأن بالفعل في كثير من الأحيان لم يحدث شيء مثلما أردته واتضح ان عدم حدوثه كان عين الرحمة وعين المصلحة, و أني احكم بما أراه, والله يحكم بما يراه, وبالتأكيد ما يراه الله افضل واشمل مما أراه لنفسي اذ ان علمي مهما كان فلن يصل ابدا لعلم وحكمة الله

تكونت هذه القضية العقلية الوليدة وبدأت اجرب معناها عمليا في حياتي, بدأت ألا أشغل بالي كثيرا بما اظنه صالح لي, ولا امتعض اذا لم يسر شيء وفق مرادي, بدأت أخطط للشيء واضع في بالي امكانية تغيير الخطة في أي وقت لأني ببساطة لا أعلم الحق الكامل

لمشاهدة فيديو الدرس الأول كامل من هنا

غرور الانسان يصور له دائما أنه على حق, لكن من يتدبر المعنى الحقيقي لهذه الآية السابقة ويطبق هذا المعنى عمليا, سيتأكد أنه لا يعلم إلا قليلا جدا, وأن مصلحته العليا تتمثل في عدم سير بعض او حتى كل الأشياء وفق مراده

و بعد تجربتي لهذا المعنى مرارا,  تأكدت من هذا ووجدت راحة كبيرة في نفسي, ارتياح لا مثيل له مصدره الثقة بحكمة الله

التجربة والنتائج أدت بي الى الاقتناع الكامل, وصارت هذه القضية العقلية منتهية تماما, اذ أنه بشكل غير واعي اصبحت جزء من سلوكي وطريقة تفكيري وتفاعلي مع متقلبات حياتي

هذا مثال بسيط لقوة التدبر و تطبيق معاني آيات القرآن اثناء قرائتك وحفظك, اذا ان تطبيق معنى آية واحدة اوصلني لنتائج لم اصل اليها في سنوات من قراءة كتب و مشاهدة فيديوهات ال Motivation

قد تظن ان هذا ظلم لبعض كتب و مدربين تطوير الذات المتميزين, اذ اني قد طبقت معنى الأية عمليا فوجدت نتائج جيدة, و لو اني طبقت ماقرأته او سمعته من المدربين عمليا ايضا لوصلت الى ذات النتائج

بالتأكيد لقد تبادر هذا إلى ذهني, وتوصلت إلى استنتاجين مهمين:

أولا: أنه بالفعل يوجد كتب متميزة ومدربين على درجة عالية من الثقافة والعلم وانهم بالفعل يريدون مصلحة من يتابعهم لكنهم نادرين, لكن حتى هؤلاء الحفنة المتميزة يقومون بفرض تمارين ذهنية صعبة ومرهقة على متابعيهم و متدربيهم تصيب من يقوم بها بالملل بعد فترة ثم يقرر ألا يستمر, اذ أن هذه التمارين لا يصلح استمرار تطبيقها في حياتنا اليومية  لأنها باختصار مرهقة ومتعددة وشحيحة النتائج

ثانيا: أن عظمة القرآن الكريم, انك حين تواظب على حفظه وتكرار آياته وتدبر معانيها, ستجد ان عقلك ذاته قد تطور, وأن مشاعرك بدأت تتحول للاطمئنان شيئا فشيئا, فتصبح أكثر قدرة على توليد الطاقة الايجابية داخل نفسك دون مساعدة من أحد ودون اللجوء لتمارين عقلية مرهقة

باختصار, كتب وفيديوهات المدربين ترسم لك الطريق وتدفعك دفعا للسير عليه, ومع سيرك ستجد ان نفسك تقاومك لأنها لم تشارك في رسم هذا الطريق, وان غيرك من قام بالتجربة ثم قدمها اليك, وليس من الضروري ان غيرك هذا يعلم الأصلح لك

لكن القرآن يعطيك القوة لكي ترسم انت الطريق بنفسك و يعطيك القدرة على السير فيه بنفسك دون ادني مقاومة, لأن قرار السير قد جاء من داخلك انت وليس من الخارج, وانه اثناء تفاعلك مع الآيات قد وقر معنى ما في نفسك, وانك انت من أنتجت هذا المعنى ليس غيرك, وبالتأكيد انت تعرف الأصلح لك

الخلاصة: 1) يمكنك ان تختار قراءة بعض الكتب المتميزة ومتابعة بعض المدربين المتميزين اذ ان كلامهم لا يخلو ابدا من الحكمة لأنهم قد مروا بالعديد من التجارب وبالتأكيد يملكون رصيد معرفي وعملي لابد ان يحترم, لكن لا تنساق كثيرا وراء التمرينات العقلية الكثيرة التي يوصونك بها, ولا تجبر نفسك على فعل شيء انت غير مقتنع به, ولا تتمادى كثيرا في متابعة كل محتواهم 

2) واظب على تدبر آيات القرآن الكريم وقم بنفسك باستخلاص المعاني التي تشعر أنها تناسبك ثم ابدأ حالا في تطبيق ماتوصلت اليه و ضعه في التجربة العملية وانظر الى النتائج وعدل من مفاهيمك, اذ ان تطوير ذاتك بالقرآن الكريم لابد ان يكون هو الأساس وهو المرجع الذي تلجأ اليه دائما إذ أنه معين لاينضب.

اقرأ المقالة التالية من هنا: تطوير الذات بالقرآن الكريم (3) – تدبر آية ممكن يغير حياتك

👈للاشتراك في دروس تطوير الذات بالقرآن الكريم 👉

👈الاشتراك في قناة د. إبراهيم عبد الواحد👉

برجاء تقييمك للمقالة في قسم التعليقات👇

تطوير الذات بالقرآن الكريم (2) – نقطة التحول

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تمرير للأعلى